عن النبي صل الله عليه وسلّم: “أفضلُ الجهادِ ، كلمة حقٍ عندَ سُلطانٍ جائر” (رواه الترمذي وأبو داود).
في عام 2012 توافد علينا دخول معتقلين كمجموعات من مختلف المدن الأحوازية منها الحميدية، والخلفية، والملاشية، والفلاحية وغيرها.
و بعد أشهر من تعذيبهم في المعتقلات السّرية للاستخبارات الإيرانية، وجّهت سلطات الاحتلال الفارسي لكل هذه المجموعات تهمة المحاربة التي تصل عقوبتها الإعدام.
كانت تسود الأحواز فترة هدوء نسبيٍ في عامي 2010 و2011، ومنذ إعدام الشهيدين خليل الكعبي وسعيد السعدي في عام 2009 في سجن كارون، لم يتم إصدار أحكام الإعدام بحق النشطاء الأحوازيين.
ولكن هذه المرة حسب طبيعة الملفات والتهم الموجّهة للمجموعات، كنّا نتوقّع ارتكاب جريمة الإعدام بحق العشرات منهم. لهذا كنّا نفكّر في أي عمل نستطيع من خلاله تخفيف الخسائر وإنقاذ بعض الأرواح.
بطبيعة الحال فكّرنا في طرق الهروب، والتي كانت تتطلب الإسناد من خارج السجن. وكان التعويل على حوالي عشر تنظيمات أحوازية، ولكن كنّا نعرف جيداً أنها مازالت ضعيفة، ولم يكن لديها إمكانية الدعم، هذا لو افترضنا كان لديها النية في المساعدة.
لهذا فكّرنا في حلول أخرى منها الاستشارات القانونية. على سبيل المثال، في بعض المجموعات التي تم اعتقالها، تقبّل فرد أو أفراد مسؤولية التّهم الموجّهة مما سهل الحكم على الآخرين. ولكن المجموعات الأخرى، كانت تعاني من التخبّط في الاعترافات، الأمر الذي يبيّن ضعف التنظيم، وعدم الأخذ بالحسبان ولو واحد بالمئة من احتمال الاعتقال.
إنّ هذا الموضوع يحتاج شرحاً مطوّلاً ومفصّلاً، ولكن في هذه المذكّرة أريد التركيز على حدث آخر.
خَطَرَت في بالنا فكرة أن نتكلم ونستشير المدير الجديد لسجن كارون، السيد منشداوي، و هو عربي أحوازي من عشيرة وقبيلة معروفة. وبعد محاولات استطعنا أن نقابل مدير السجن، و كان معنا “سيد ضياء نبوي”، سجين سياسي فارسي مُبّعد ينتمي الى ” جنبش سبز” (الحركة الخضراء).
في ما كان يركّز سيد ضياء على الاحتياجات الأساسية للسجناء مثل النظافة، والأكل، والعلاج الصحي… طرحنا نحن قضية المجموعات المعتقلة وامكانية تنفيذ حكم الإعدام بالعشرات منهم. وفي المقابل قال مدير السجن: إنه لم يعرف بالأمر، وطلب من السكرتير ملفات أسماء مَن ذكرناهم، ولكن فوجئ أنّ ملفات السجناء كانت فارغة تماما، ولا يوجد فيها إلّا ورقة صغيرة مكتوب عليها “اعتقال في ذمة التحقيق”.
وهنالك تبيّن لنا أنّ الاستخبارات لا تثق بإدارة السجن في الملفات الخاصة. وقال مدير السجن: كما تعلمون نحن هنا مجرّد حُرّاس لبقائكم في السجن، وليست لدينا صلاحيات في الملفات السياسة، وهذه من صلاحيات محكمة الثورة والأجهزة الأمنية.
وقال لنا أيضاً: ستكون زيارة من جانب السید أُلفت رئيس دادگستری استان (رئيس قضاء الإقليم)، وافشارنيا المدعي العام، وپوستچی رئيس سجون الإقليم وآخرين. وقال إنّهم سيدخلون القسم السياسي، ونَصَحَنا بالبقاء على مسافة منهم حيث تكون الحماية فيما بيننا.
بعد الرجوع إلى القسم اجتمعنا مع السجناء، وطرحنا الموضوع، وسجّلنا النقاط الهامة التي يمكن طرحها. فهكذا قررنا أن يشرح سيد ضياء نبوي المشاكل الأساسية داخل السجن مثل انعدام النظافة، ورداءة الأكل، وعدم توفير العلاج للمرضى، و … وأنا أتكلم حول الملفّات السياسية الأحوازية والأحكام الجائرة. طبعا كان بين الأسرى الاحوازيين مَن هُم أفضل مني، ولكن كانت أحكامهم ثقيلة جداً، وأنا كنت أخفّ منهم حكماً، أي عشر سنوات، لهذا فضّلوا أن أتكلّم نيابة عنهم.
في اليوم المقرر جاء الوفد إلى قسم رقم ٨، وبعد طرح القضايا المعيشية من قبل سيد ضياء. طرحتُ قضية الأحكام الجائرة بحق 17 شخصاً حُكمَ عليهم بالإعدام، بعد أشهر من التعذيب، ودون وجود أدنى فرصة للدفاع عن أنفسهم.
كذلك قلتُ لهم إنّكم ثلاثتكم (ألفت، وافشارنيا، وبوستجي) من خارج الإقليم، ولا تعرفون ماذا يحدث هنا. فالقضاء ليس فقط الحكم بما هو موجود في كتاب ” قانون مجازات”، بل عليكم معرفة الأسباب والوقاية منها، وهي مصرّحة في القانون ضمن وظائف القاضي. فضربت لهم مثلاً مجموعة المعتقلين من منطقة الملاشية. قلت لهم منطقة الملاشية حيٌّ فقير في جنوب غرب مدينة الأحواز العاصمة، ولا يفصلها عن أكبر مُجمّع شركات الصلب في جغرافية إيران سوى عرض طريق الأحواز-المحمرة، ولكن لا يعمل 7 أشخاص من أصل 70 ألف من سكان الحيّ في هذه المجمّعات الصناعية الضخمة. کما إنّ لديهم أراضي صالحة للزّراعة، ولكن مُنعوا من سحب المياه من نهر كارون، بعد أن حرفت السلطات المياه إلى براري فارس.
وأضفت أنّ حصّة سُكّان هذا الحي من النفط الموجود في دوب حردان، هي الدّخان والغازات السّامة. هذا الشاب، وأشرت إلى عبد الرحمن حيدريان (الشهيد ناصر الحيدري)، ذو 19 عاماً، عاش طفولته في أسرة فقيرة، ونام جائعاً كثيراً من اللّيالي هو وإخوته وأخواته، في ارض غنية بالثروات. لربما ينتفض ويرتكب الصحيح والخطأ من أجل المطالبة بحقه، وأنا لا أؤيدهم في أخطاءهم. ولكن قبل الحُكم عليهم، لابّد أن تبحثوا عن الأسباب، وأن تحكموا بالإنصاف، وإذا لم يكن لكم معرفة فبإمكاننا شرحها لكم.
قال السيد أُلفت، الذي أصبح فيما بعد مساعد لاريجاني رئيس القضاء، إنّك في البداية يجب أن تعترف أنّك إيراني. مكثتُ لحظةً، والتفت إلى الخلف، وتصفحت في وجوه رفاقي الأسرى.. وثم خاطبت ألفت: أنا أكلّمك بصفتي محكوم، وأنت حاكم في قضاء غير عادل. أنا لم يتسنّى لي رؤية القاضي الذي أصدر عليّ حكماً بعشر سنوات، حتّى ولا للحظة، ولا أعرفه، ولا أدري إن كان القاضي “تورك” الآن موجوداً بينكم أم لا!
قال ألفت: ” ليست لديّ الصلاحية في المفاوضات معكم”.
قلت له: إنها ليست مفاوضات، بل حوارٌ لفهم حقيقة ما يجري بشكل أفضل، لأن الأمر يتعلق بحياة عشرات الشباب الجالسين هنا.
كرر السيد أفشارنيا، المدعي العام آنذاك ورئيس قضاء الاقليم حالياً، إنّك يجب ان تعترف أنّك إيراني أولاً.
مكثتُ لحظة، وفكّرت في قرارة نفسي: هل أريد الكذب على نفسي وعلى الآخرين؛ أنا عربي أحوازي، ولستُ إيرانياً. لهذا أجبته مجدداً وقلت له: أنا مجرد محكوم، وأنتم الحكّام على رقابنا، أناشدكم بمراجعة الأحكام الجائرة، وغير العادلة بحق العشرات. فهؤلاء الشباب ينتمون إلى عشائر وقبائل وشعب. والعنف لا يولّد إلّا العنف، والقتل لا يولّد إلّا الضغينة.
بعد أن انتهى كلامي ضرب على كتفي الأسير المحرر علي قاسم الساعدي، والذي طلب اللجوء مؤخراً في الولايات المتحدة، على أنّهم لا يسكتوا عنك بعد هذا الحديث، وتوقّع خمس أو ست سنوات حكم اضافي.
بالفعل لم يمضي شهرٌ واحدٌ على زيارة مسؤولي القضاء الإيراني للإقليم حتى نقلوا شباب الملاشية لتنفيذ حكم الإعدام بهم، وبعد شهر نقلوني إلى معتقل الاستخبارات، وبدأوا بالتعذيب النفسي والجسدي، ليس فقط على الفيلم الذي نشرته حول شاب الملاشية والذي بثته بعض القنوات، بل كان التعذيب ناتجاً عن حقد، وانتقاماً مني لمواقفي أثناء زيارة مسؤولي القضاء للسجن.
أنا أؤمن بحق شعبنا الأحوازي في تقرير مصيره، وأحترم خيار التحرير والاستقلال، أو البقاء في نظام لا مركزي فدرالي، أو الحكم الذّاتي ضمن جغرافية إيران. وكذلك أتفهم من يكتم رأيه في داخل الأحواز بسبب الظروف الأمنية. ولكن أتفاجئ من نفاق البعض في الخارج! فتراه يتكلم عن التحرير ودولة الاحواز، ولكن بمجرد لقاء تلفزيوني مع قناة فارسية، أو حتى لقاء على وسائل التواصل الاجتماعي يتفاخر أنه كان “بسيجي مُشارك في فتح خرمشهر”!!!!
نحن في الغرب نعيش في بلاد من قيمها الأساسية هي حرية الرأي، فيا أيها الأحوازي صرّح بما تعتقد، ليس مهم أن تكون واحداً، أو الفاً، أو مليوناً. قل كلمتك بما تعتقد، فالحياة أقصر مما تقضيها بالنفاق والازدواجية. فكلمتك بوجه الفارسي، نظام كان أو معارضة، سوف تمهّد لحقٍ، حتّى وإن لم يعترف به.