فولتير: لو وضعت ديانة خاصة بي، لجعلت التعصب الديني من أكبر الكبائر.
منذ فترة وبسبب عدة مواقف حصلت لي، منها موقف مع احد المشايخ في الدنمارك انتبهت لمشكلة بدأت تطغي على قضيتنا الأحوازية العادلة شيئا فشيئا، فأثناء حديثنا ولأظهاره دعمه لقضيتنا بدء يثني و يتكلم عن الاحواز وجهاد شعبها العربي السني ضد الدولة الفارسية الشيعية. ما سمعته لم ينطبق كله مع ما يحدث في الأحواز ومقاومة شعبه العربي التواق للخلاص من الإحتلال الفارسي، حيث كان يقصد بكلامه ان شعبا سنيا يقاتل دولة شيعية ومن اجل اهداف طائفية بحته. بل و حتى عندما حاولت تصحيح ما قاله حول الأحواز وان الأحواز أرض عربية محتلة من قبل الدولة الفارسية وان شعبها العربي يقاوم و يناضل من اجل تحرير بلاده بشيعته وسنته، واجهني ببرودة شديدة تنم على عدم تصديق ما قلته وعندما اقنعته بواقع وطبيعة الشعب العربي الاحوازي شعرت انه فقد اهتمامه الكامل بالقضية الأحوازية وحتى شعرت ان موقفه اصبح عكس ما كان عليه من قبل. انا لا ألوم هذا الشيخ الفاضل ولا اعتقد موقفه يمثل موقف كل الأخوة الإسلاميين الذين يدعمون القضية، لكن ألوم انفسنا بسبب طرح قضيتنا بهذا الشكل الخاطئ الذي يتجاهل الجوانب الأخرى من القضية الأحوازية.
بعد تلك الحادثة ورغم اني والكثير من اعرفهم في الساحة السياسية الأحوازية لم نتفق منذ البداية مع بعض المصطلحات الطائفية التي بدأت تدخل الى ادبياتنا السياسية. بدأت اراجع كيفية وصولنا الى هذه النقطة حيث بدأنا بعملية اصلاح وتوعية دينية كانت ضرورية من اجل النهوض بشعبنا وقطع اي ارتباط بينه وبين المشروع الفارسي التوسعي الطائفي وكيف انتهينا بجلد ذاتنا وحتى التحريض ضد فئة لا بأس بها من شعبنا.
من المؤكد انه لا يمكن الإستغناء عن الاصلاح والتوعية في مجتمعنا الأحوازي في كافة المجالات الثقافية والسياسية والإقتصادية من اجل النهوض به ضد المحتل الفارسي. وبما ان الإسلام في المجتعات العربية لديه دور اساسي ومحوري في كافة المجالات المذكورة، لذا اي عملية اصلاح لابد ان تبدأ من هناك، خصوصا في ظل وجود عقائد واراء خرافية وغير صحيحة كثيرة انتقلت من المذهب الصفوي الفارسي للعقيدة الإسلامية الحنيفة في الأحواز مثل قضية مراجع التقليد والخ.. وان تلك العقائد والآراء تقف امام اي مشروع سياسي عربي احوازي تحرري او انها على الأقل تعرقله. لكن يجب ان لا تسبب عملية الإصلاح هذا التشرذم والتفكك في المجتمع بل يجب ان تكون سببا داعما لإنسجامه ووحدته امام مشاريع الدولة الفارسية الخبيثة.
من جانب اخر أنا لا اشك في مصداقية الأخوة الإسلاميين بدعمهم لقضيتنا بل ارى دعمهم ووقوفهم الى جانب القضية ضروري وحتى أرى في بعض الأحيان انهم اكثر حرصا وانتابها منا في هذا الموضوع. هذا ما شاهدته خلال لقاء الداعية الإسلامي الفاضل الشيخ د. محمد العريفي مع برنامج “الأحواز المنسية”على قناة وصال المؤقرة حيث تطرق لقضية مهمة جدا وهي انه “يجب ان يكون التركيز على اصلاح العقائد الخرافية والغير صحيحة بدل التركيز على المسميات فقط.”
اعتقد ان حدوث هذه المشكلة يرجع الى عدة اسباب، منها:
ازمة خطاب:
طرح هذه المشكلة الكثير من الأحوازيين من قبل، لكن ورغم تكرار طرحها انها لا تزال قائمة. مع انه هناك بعض الحركات والتنظيمات الأحوازية بدأت تحاول في بلورة نوع من الخطاب السياسي المتوازن على الساحة. ففقدان هذا الخطاب السياسي المتوازن والأحوازي المنشأ جعل البعض ان يفكر بملأ الفراغ بخطاب جاهز اخر. وبعد الإنتشار الواسع الذي حققه الخطاب الديني خلال السنوات الأخيرة في العالم العربي، حاول بعض الأخوة ان يستعينوا بهذا الخطاب.
أنا لا أرى اي مشكلة في الإستعانه بكل الأفكار والإطروحات على الساحة العربية والعالمية، لكن هذا لا يعني ان نأتي بخطاب سياسي لا يتفق مع أولوياتنا الوطنية او انه يتناقض مع واقع شعبنا الإجتماعي والثقافي.
الإتكالية:
الإتكالية مشكلة معترف بها بين العرب تجذرت في عقولنا خلال مئات السنين، حيث في ظل هذه المشكلة يغيب طابع التعاون والمساعدة والمبادرة والثقة بالنفس بين افراد المجتمع ويغلب عليه الإنفعال والتكاسل والتوسل للأخرين ليأتوا ويحلوا المشاكل. للأسف اصبحت الأمة العربية في الكثير من الأحيان امة منفعلة تجاه المتغيرات الدولية رغم بعض التغييرات الطفيفة التي حصلت بعد الرييع العربي. اذا راجعنا كل الأزمات التي حصلت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة الماضية نرى دائما او في الغالب عيون العرب تتجه صوب جهة تأتي وتخلصهم من تلك الأزمة. فيوما يصبح فارسيا كألخميني المنقذ وبطل الأمة ويومأ اخر يأتي دور اردوغان الذي نريده ان يحرر القدس ويقف امام جرائم الأسد ضد شعبه الأعزل. وبما ان الأحواز تشارك الأمة الهوية والثقافة والتاريخ والمصير، فأن المشكلة حاضرة ايضا في مجتمعنا الأحوازي. فبعدما اتكلنا في السابق على بعض الأنظمة لتوفير ما نحتاجه لمواجهة عدونا المحتل، اليوم بدأ البعض منا وبدل الأتكاء على شعبنا بألدرجة الأولى، محاولة كسب الدعم من جهات أخرى حتى لو كلفنا ذلك وحدتنا الوطنية. لذا وقبل قبول اي دعم من أي جهة علينا ان نتأكد من ان تلك الجهة او ألعمل معها لا يفرض علينا اجندة تتعارض مع مصالحنا الوطنية.
دور المحتل في نشر الفتنة:
لا شك ان دولة الإحتلال الفارسي تستغل اي فرصة من اجل النيل من وحدتنا الوطنية وانهاكنا في قتال داخلي.هذا ما فعلته لسنوات عديدة من خلال استغلال الطابع القبلي للمجتمع الأحوازي ونشر النعرات القبلية بين الحين والأخر. حاليا وبعد ان تجاوز شعبنا هذه المرحلة او انها ضعفت بشكل قوي جدا بفضل التوعية المنتشرة وايضا ترسيخ القيم الوطنية، انتقل العدو الى ورقة الطائفية ويحاول نشرها بقدر المستطاع والمحزن انه اننا نقدم له هذه الخدمة مجانا في بعض الأحيان.
توجد هناك ايضا أسباب أخرى كعدم وجود ثقافة الحوار وثقافة الإختلاف والجهل… وايضا عدم وجود رؤية وتحليل اجتماعي وسياسي صحيح للواقع الأحوازي.
العواقب:
إذا أردنا ان نحلل هذه المشكلة من منطلق باثولوجي اجتماعي (Social Pathology) ونرى المشاكل الأجتماعية وبالتالي المشاكل السياسية التي تحدثها هذه المشكلة بالمجتمع الأحوازي لحاولنا طرح الموضوع بدقة وبهدوء اكثر. اول واخطر هذه المشكال انها مهما حاولنا لم نتمكن من تغيير مذهب كل الأحوازيين. وهنا تكمن المشكلة، حيث انه من يبقى على مذهبه سيصبح متطرفا ومن يغير الى مذهب جديد يكون اكثر تطرفا ايضا. في هذه الحالة ستتغير الأولويات كلها واننا نقع في مواجهة بعضنا البعض بدل مواجهة العدو المحتل.
المشكلة الأخرى تكمن في موضوع فقدان المصداقية. لا يمكن لأحد نكران حالة التسنن التي سادت في الأحواز(وانا احدهم) لكن هل قضيتنا هي فقط هذا الشئ؟ اليوم نشاهد البعض يطرح فقط هذا الجانب من القضية ويوحي لبعض الأخوة العرب كما وان كل الشعب العربي الأحوازي او الأكثرية منه على المذهب السني. هذا الطرح سيفقدنا المصداقية بالتأكيد على المدى البعيد بين اخوتنا العرب.
الحلول- حسب رأيي–
كما ذكرت انفا لا بديل لنا غير المضي قدما في طريق الإصلاح في الحقل الديني، لكن المطلوب الانتباه لعدة امور للحيلولة دون الوقوع في الصراع الطائفي.
اولا:
كما قال الشيخ د. محمد العريفي وكما بدأت عملية التوعية الدينية اوائل التسعينات علينا التركيز على اصلاح العقائد والأراء الخاطئة ودحض المستوردة منها من قبل الفرس دون التطرق الى المسميات التي تنشر الفتنة. فما دام العقائد تصححت والأراء الخاطئة حذفت، لا يهم الاسماء التي نطلقها على هذا التغيير(شيعي او سني).
ثانيا:
اعتقد انه من الخطاء ان يقوم السياسيين والذين يلعبون ادوارا سياسية بالمشاركة في هذه العملية بشكل مباشر. لأن السياسي يتكلم بمشاكل الشعب كله وبكل اطيافه وكلامه وطرحه يجب ان يكون فقط حول القضايا السياسية. تطرق الإنسان السياسي للقضايا الدينية يساعد في تسييسها وجعل الفتنة الطائفية جزء من العملية السياسية. في المقابل أرى من الضروري ان تقوم عملية الإصلاح هذه بموازاة العملية السياسية وان يقوم بها اشخاص ليس لديهم ادوار سياسية حد الإمكان.
ثالثا:
اعتقد ان من الخطاء بمكان محاولة كسب اهتمام العرب عن طريق الكلام عن حركة شاملة لتغيير المذهب وضرورة دعمها. لا يمكن لأي شخص ان ينكر هذه الحركة، لكن يجب ان لا تكون جزء من خطابنا السياسي او حتى سبب نحاول كسب التعاطف العربي به. اعتقد علينا توضيح الصورة كما هي وان الشعب العربي الأحوازي يقف كله وبكل اطيافه وشرائحه امام المشروع الفارسي الطائفي التوسعي.
ان العربي الاحوازي الشيعي هو يقدم ويضحي ويعادي المشروع الفارسي بنفس مستوى العربي الاحوازي السني في الأحواز وباقي اماكن الوطن العربي كألبحرين ولبنان والخ…هذا الطرح يجعل الأخوة العرب ان يشعروا بواجب توفير الدعم لكل الأحوازيين بشيعتهم وسنتهم ويساعد على اقناع الأمة على ان الأحوازيين اخوتهم وانهم واقفين معهم امام المشروع الفارسي في كل مكان. بهذا الإسلوب يمكننا تحاشي التحريض على نسبة كبيرة من شعبنا وايضا عدم فقدان المصداقية امام من يدعمنا.