لمعرفة أي تيار فكري اجتماعي ثقافي لابد من تحليل واقع هذا التيار في الوسط الذي يظهر فيه وهو المجتمع، حيث السلوك الاجتماعي لأي تيار يعكس مدى قاعدته الاجتماعية.
ومن أشهر التيارات التي ظهرت في عالمنا العربي على إثر سقوط دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، تيار الإسلام السياسي الذي بدأ مع ظهور تنظيم الإخوان المسلمين، وغاية تكوينه كانت ردة فعل على انهيار الخلافة، وبناء خطاب إسلامي دعوي غايته استرجاع الخلافة، ويعمل على مواجهة التيار القومي الذي نادى باستقلال الأقطار العربية وتكوين أمة عربية انطلاقاً من وحدة الأرض واللغة والتاريخ والعوامل الأخرى.
هذا التنظيم مر عبر تاريخه بصراعات دامية مع الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية، وعلى إثر هذه المواجهات أعدم منهم الكثير (على سبيل المثال: أعدم السيد قطب في مصر)، تلى هذا الإعدام شق الصف في تنظيم الإخوان، ونشوء الحركات الجهادية التي أخذت المنهج القطبي- القوة – في صراعها مع الحاكم، كما أطلق السيد قطب على المجتمع المسلم صفة المجتمع الفاسد ودعا إلى إصلاحه.
بعد هذا الانشقاق في صفوف الإخوان استمر الإخوان في نهجهم بالتأكيد على أنهم دعاة وليسوا قضاة، لكن المتابع للتطورات الحاصلة في بلدان الربيع العربي يشاهد التغيير الكبير الذي كان مهيأ له من قبل الإخوان لاستلام السلطة في كل من “مصر، تونس وليبيا، وصولاً إلى الخليج العربي والتغلغل فيه لصالح أجندة إقليمية”.
إيران إحدى الدول الإقليمية التي استبشرت خيراً بوصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، فرأينا العلاقات الثنائية كيف تطورت، خاصة الدبلوماسية، وأسرعت في تفعيل السفارات من قبل الجانبين؛ لكن بعد إزاحة مرسي من رئاسة البلد وبداية انحسار عمل الإخوان في مصر وليبيا وتونس والضغط الشديد عليهم في الخليج العربي، سمعنا فجأة عن تشكيل فرع الإخوان في الأحواز، مما جعل المراقبين في الساحة الأحوازية في جدل واسع حول صدق أو كذب هذا الإعلان.
المتابع للقضية الأحوازية منذ انطلاقتها يستطيع بقراءة عميقة معرفة البنية الفكرية والعقائدية للشعب العربي الأحوازي إذ لا نجد مبرراً منطقياً ولا موضوعياً لظهور هذا التنظيم في الساحة الأحوازية وذلك على ضوء الأدلة التالية:
أ – تاريخياً، تنتشر في الأحواز كافة المشارب الفكرية العربية، وخاصة القومية فكراً و تنظيماً، ومنها: الناصرية، القوميين العرب، البعث، حزب السوري القومي الاجتماعي، فضلاً عن وجود النخب الأحوازية التي تقوم بتعديل هذه الأفكار القومية بما يتناسب والواقع الأحوازي المعقد اجتماعياً وسياسياً بسبب الاحتلال، هذه الاتجاهات لا تعطي سبباً واقعياً لوجود الإخوان في الأحواز لا على المستوى العقدي (دعوة الخلافة الإسلامية)، ولا التنظيمي، وما زالت هذه الأفكار القومية العروبية تجد من يعتنقها نظراً لوجود عدو فارسي يحارب الوجود العربي في الأحواز.
ب – تاريخياً، الأحواز لم تكن ضمن الخلافة العثمانية حتى تنعي سقوطها، وتطالب باسترجاع الملك العضوض، وأول من نادى بتشكيل دولة عربية كبرى تمثل الجانب السياسي للأمة العربية التي خرجت من العهد العثماني، هو الشيخ خزعل الكعبي، والعاصمة المحمرة شاهدة على هذا الموقف التاريخي (حلف الفيلية بين الأمير خزعل وشيخ مبارك وطالب النقيب كبير أعيان البصرة)، فسقط أيضاً الجانب العقدي لتشكيل الأمة الإسلامية التي ينادي بها الإخوان.
ج – علاقة الاخوان مع إيران مكشوفة علناً منذ زمن بعيد، وذلك يرجع إلى أيام فدائي الإسلام – نواب صفوي – وصولاً لفترة الخميني، والعلاقة مستمرة ليومنا هذا 2014، إذ لا يوجد أي دليل ملموس فكرياً كان أو موقفاً سياسياً يدل على علاقة بين الأحوازيين من جهة، والإخوان من جهة ثانية، والسبب الأساس في ذلك، علاقة الإخوان المسلمين الحميمة مع النظام الملالي في طهران.
د – الحركات والتنظيمات التي تمثل الشريحة الواسعة من أهل السنة في الأحواز أيضاً لهم موقف حازم من الإخوان، خاصة العقيدة السلفية التي تخالف الكثير من آرائهم، وتزدري تعاملهم مع إيران الصفوية كما يصفونها، لذا، هنا أيضاً لا نجد دليلاً مقنعاً على ظهور فرع إخواني في الأحواز من جانبه المذهبي.
ه – هنالك شرائح واسعة من الشعب العربي الأحوازي في الداخل والخارج لهم اتجاهات علمانية مما يتماشى مع غالبية أشقائهم في العالم العربي، لذا لم يجد الإخوان منفذاً ليتغلغلوا فكرياً وثقافياً، بحيث المزاج العام لدى هذه الفئات الأحوازية لا يستقبل الحراك الإسلامي نظراً لوجود سلطة دينية حكمت جغرافية إيران منذ ما يقارب أربعة عقود، وهذا ما أثر على العرب في الأحواز، مما كره الناس دمج الدين بالسياسة.، كما أن الوضع المزري الذي تمر به الحركات الإسلامية، وكذلك الإسلام السياسي في العالم العربي، والذي اطلع عليه المواطن في الأحواز من خلال الأعمال الإجرامية التي ترتكب باسم الدين في أكثر من قطر عربي، لذا من الصعب جداً أن يجنح العرب في الأحواز إلى هذه التنظيمات التي تدعوا إلى تطبيق شريعتها الخاصة البعيدة كل البعد عن مفهوم الإسلام السمح ورسالته الإنسانية.
و- ميثاق الإخوان المسلمين العالمي هو دليل آخر على فشل هذا الإعلان (فرع الإخوان المسلمين في الأحواز) فهو لا يدل على وجود رغبة في دعم هذه القضية العربية العادلة، وخطابهم الفكري الشمولي المرتبط بقضايا الأمة الإسلامية، في الواقع لا يلتقي سياسياً وثقافياً مع آمال وطموح أبناء الأحواز.
لذا وعلى ضوء ما تقدم لا توجد بيئة ملائمة حاضنة لفرع إخواني في الأحواز، إلا في الحالات التالية:
1- بعد فشل الإخوان في مصر والضغط الشديد الذي يواجهونه في الخليج العربي، رأت إيران وعبر العمل الاستخباري إعطاء الإخوان صفة الدفاع عن المظلوم رفعاً لشعبيتها، وبأنها تدافع عن الشعوب المضطهدة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، نرى ملامح مشروع عربي متمثل بظهور نظام إقليمي عربي (مصري، سعودي، إماراتي) مرتقب يجعل المواجهة مع إيران على أقل تقدير ضمن أجندتها ما يدخل المعادلة الأحوازية في صلب هذا المشروع حتى لو من جانبها الإعلامي، لذا قد يكون هذا الإعلان المفاجئ عن فرع الإخوان في الأحواز، يأتي ضمن مشروع ضرب العلاقات الأخوية بين الأحوازيين من جهة، وأشقائهم العرب من جهة ثانية.
2 – فإن إيران خدمة لمصالحها القومية شكلت تنظيمات سياسية طائفية في الأقطار العربية ومنها: داعش، الحوثيين، الأحزاب الطائفية في العراق، حزب الله اللبناني، لذا قد يكون فرع الإخوان المسلمين في الأحواز الذي تم الإعلان عن تشكيله في الأيام الماضية على غرار داعش وأخواتها ليس إلا.
كما أن الإعلان عن تشكيل فرع للإخوان في الأحواز وحتى على مستوى الخبر العادي لابد أن يؤخذ على محمل الجد، لأنه وبدون أدنى شك، سيترك آثاراً سلبية، قد تربك العمل الأحوازي، وتدخله في حالة تضاد مع الكثير من الأنظمة العربية التي تريد مساعدة القضية الأحوازية.
وعلى ضوء ما تقدم نستنتج وبوضوح، أن الأحواز ليست حاضنة لتنظيم الإخوان المسلمين، وذلك للأسباب التاريخية والعقائدية السالفة الذكر، وفي البيئة الأحوازية المسالمة بكافة أطيافها الاجتماعية والسياسية، ليس للتنظيم الإخواني أية مكانة أو محطة انطلاق نحو الأشقاء العرب، وخاصة في خليجنا العربي، لذا هذا الإعلان عن تأسيس فرع للإخوان المسلمين لا يتعدى كونها لعبة استخباراتية إيرانية مكشوفة على غرار داعش وأخواتها، ويجب مواجهتها عبر تبيان حقيقة النظرة الأحوازية الثاقبة حول الإخوان، ومدى معرفة النشطاء الأحوازيين بعلاقة هذا التنظيم بإيران.