تمر الشعوب بمحطات تاريخية مختلفة قد يندثر بعضها ويذهب في طي النسيان، وقد يُحفر البعض الآخر في ذاكرت الشعوب. فما يساعد على تخليد هذه المحطات هو التوثيق والنقد والتدقيق بعيداً عن التعصبات والأنانيات.
فيما يخص الشعب العربي الأحوازي تُعتبر مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية وفترة الحرب الإيرانية-العراقية من المحطات التي لا يزال الكثير من مُجريات أحداثها مخفيٌ على أبناء شعبنا. الأمر الذي يتطلب الكثير من البحث والمراجعة الموضوعية والنقدية. خاصة تلك الفترة التي هاجر فيها الآلاف من أبناء شعبنا الى العراق الشقيق هرباً من بطش وظلم نظام الملالي، ليتخذوا من العراق منصة لخدمة قضيتهم. يحاول البعض أن يعتبر هذه الفترة بالمرحلة الذهبية التي لا تشوبها أي شائبة محاولين إعطائها قدسية تمتنع الخطاء ناهيك عن قبول النقد. وفي المقابل يوجه البعض نقداً لاذعاً لمجريات تلك الفترة تتعدى حد الجَلد لكي تصل الى حد الطعن.
بين هذا وذاك يبقى الجيل الجديد المتعطش الى المعرفة والحقيقة حيران لا يدري أين يجد ضالته. فهو يسمع عن أسماء أبطال قد سقطوا شهداء مرفوعي الرأس في تلك الفترة ويسمع عن بطولات سطرها شجعان من أبناء شعبه بدمائهم وعن معارك ارهقوا فيها العدو ولقنوه دروساً لا تُنسى.. ولكن في نفس الوقت يسمع عن أخبار النكسات وتضييق الخناق على الشرفاء من لمناضلين ويسمع عن أنباء الخيانة وبيع الذمم التي تنخر بالجسد الأحوازي وأخذت على أثرها خيرة مناضلينا. ويسمع عن أخطاء تصل الى حد الغباء..
وما يستوجب ذكره هو أن في خضم كل هذا يحاول الإعلام الإيراني بكل وسائله المقروءة والمرئية يحاول تضليل الرأي العام ويعطي صورة غير حقيقية تخدم نواياه الخبيثة.
انتشر قبل فترة لقاء لأحد أزلام النظام الإيراني، الذي يٌدعى الشيخ صالح القارئ. هذا اللقاء يحتوي على ادعاءات من ضمنها انه تم أسر هذا الشخص في فترة الحرب الإيرانية العراقية، وان خلال فترة أسره أصبح مترجماً ليس فقط للجيش العراقي فحسب بل مترجماً للرئيس العراقي السابق صدام حسين وفي لقائه بالأسري الأطفال الذين تم زجهم في الجبهات من قبل نظام الملالي. هذه الادعاءات أثارت الكثير من التساؤلات لدى المتابعين والنشطاء الأحوازيين. ومن ضمن هذه التساؤلات على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن لشخص أسير أن يتغلغل في صفوف الجيش العراقي ويصبح مترجماً لأعلى شخص في هرم السلطة وهو الرئيس صدام حسين؟ هل هو غباء من المخابرات العراقية (المعروفة بأنها تتصدر قائمة الأوائل على مستوى الشرق الأوسط)؟ أم خيانة في صفوف الجيش العراقي؟ كيف اعتمدت القوات العراقية بأسير مرتزق ولم تعتمد على الكفاءات الأحوازية التي كانت موجودة بكثرة في العراق في تلك الفترة؟ هل هو خطاء الجهة الأحوازية في عدم تمكنها من اثبات وجودها وإبراز كفاءاتها؟ أم هو غطرسة الجهة العراقية وعدم الوثوق بالأحوازيين والتعامل معهم باستعلاء؟
ورداً على ما جاء في لقاء الشخص المذكور آنفاً كتب الأخ فؤاد سلسبيل (أبو رسالة) نصوصاً توضيحية في عدة حلقات على صفحته على الفيس بوك تحت عنوان “من النضال الى العمالة والدجل صالح الدكسن ذوالوجهين”، وطلب منا نشره على موقع التيار. ويُذكر أن الأخ أبو رسالة هو من الأشخاص الذين عاشوا تلك الفترة وكان له حضور بارز في المحمرة ومن الناس الذين هاجروا الى العراق حيث عمل مذيعاً في إذاعة الأحواز.
ولابد من الإشارة أن نشرنا هو يأتي في اطار مبدأ ضرورة النقد والبحث والتدقيق والشفافية ولا يعني أننا نتفق مع كل ما جاء في النص حيث انه يمثل رأي الكاتب ولا يعكس وجهة نظر القائمين على الموقع.
_________________________
من النضال إلى العمالة والدجل صالح الدَكسَن ذو الوجهين
(الحلقة الأولى )
كتب: فؤاد سلسبيل أبو رسالة
الرابط أعلاه زودني به مشكورا الأخ المناضل وبن المناضل السيد كوثر بن المرحوم الحاج طهران آل علي البو فرحان لأطلع عليه ، يحتوي على برنامج بالفارسي بثه التلفزيون الرسمي الإيراني قبل أعوام يظهر فيه ملا صالح وهو يتحدث باللغة الفارسية ويكذب فيه ما يشاء ، ومن ضمن الكذب يذكر إسمي هو وزميله في هذا اللقاء ويتحدثان عني بالقيام في أشياء لأول مرة أسمع عنها من هذا الشخص ومن مثله من عملاء النظام الإيراني.
من هو مُلاّ صالح الدكسن؟
على الكاتب المنصف عندما يتجه إلى كتابة موضوع عن شخص ما أن يكون منصفا مع الشخص الذي يعنيه، ومن هذا المنطلق قررت أن أعرّف أبناء شعبي بشخصٍ أحوازي من أصلٍ عراقي أجداده من كربلاء والنجف ، هو المدعو ( ملا صالح الدكسن، المعروف بملا صالح القاري ) الذي كنت أعرفه معرفة جيدة ، وكنا عندما نجلس مع بعضنا نتحدث عن القضية الأحوازية حينما كنا شباب في السبعينيات من القرن الماضي كان البعض الأكبر مني سنا يذكرون أسماء مختلفة ومنها هذا الشخص، حيث أنه كان من مناضلي نهاية حقبة الستينيات وبداية حقبة السبعينيات من القرن الماضي ، لكن ألقي القبض عليه في زمن الشاه بمعية بعض المناضلين الأحوازيين وسجن حتى سقوط نظام بهلوي ومجيئ نظام خميني.
بعد تأسيس المنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي عام 1979 في مدينة المحمرة بأسابيع ، وأنا كنت في مقر المنظمة جاء هذا الشخص بمعية الشيخ المعمم علي بن الشيخ عيسى الطرفي – كانت لي معه معرفة تامة بحكم أننا كنا شعراء شعبيين وكنا نحضر مجالس الشعر مع الشاعر الأستاذ الكبير العلاّمة الشيخ ابراهيم الديراوي رحمه الله ونقرأ الأشعار معا – فسلموا عليّ وبعد تبادل التحايا أخذني ملا صالح الذي كانت لي به معرفة مسبقة وكان في حينها مذيعا باللغة العربية في الإذاعة الإيرانية التي كانت تبث برامجها من مدينة عبادان الأحوازية، إلى زاوية من زوايا مقر المنظمة وطلب مني أن أترك المنظمة السياسية لأكون معه مذيعا في إذاعة عبادان، ونصحني أن أترك مسألة الأحواز والعرب وهذه الشعارات القومية غير الصحيحة حسب وصفه لها وباستهزاء، طبعا الطلب كان مقرونا بإغراءات مادية خصوصا أنه يعرفني جيدا بأنني وجه معروف في المحمرة وعبادان بسبب الشعر ووقوفي خلف المايكرفون باستمرار ومشاركاتي في المظاهرات ضد الشاه وأيضا مظاهراتي ضد نظام خميني حيث كنت في مقدمة المظاهرات أطلق الشعارات والأشعار الثورية، وإذا ما ذهبت معه ساكسب لهم الكثير من الشباب بسبب معرفتي بهم ومعرفتهم بي واحترامهم لي وهي أخلاق جميع ابناء المحمرة وبقية ابناء شعبنا الأحوازي.
بعد الإنتهاء من مقترحه قلت له وبالحرف الواحد: أين ذهب نضالك من أجل الأحواز، وهل تبددت االمبادئ الثورية والإيمان بالقضية الأحوازية لديك وتشظت بمجرد أن أصبحت عونا لنظام الدولة الفارسية ، وأنت تعرف بأنها تحتل أرضك ووطنك؟
ثانيا كيف تريدني أن أقبل بهذا المقترح وأترك شعبي وأبيع وطني وأنت ترى بأم عينيك هذه الجموع الأحوازية المطالبة بحقوقها تملأ شوارع المحمرة وباقي المدن الأحوازية؟
كلا وألف كلا، لن أكون ظهيرا للمحتل بقبولي العمل في إذاعة عبادان ، ولن أخذل شعبي أبدا وسأبقى على ما أنا عليه ولو خسرت حياتي.
بعد أن يئس مني قال لي: سوف تخسر كل شئ وتندم على ذلك في يوم من الأيام.
فقلت له: من خسر وطنه ماذا بقي له في هذه الحياة فالأخسر حياتي من أجل عودة وطني.
قال لي: قلناها قبلكم وندمنا عليها ورجعنا الى صوابنا فيما بعد.
قلت له: هذا شأنك انت ولا يخصني أنا بشأنك.
من ثم ذهب نحو الشيخ علي الشيخ عيسى الطرفي وهمس بأذنه شيئا وانا بُعدُ امتارٍ عنهم وتركوني وتركوا مقر المنظمة السياسية دون أن أودعهم أو يودعونني مثلما حييتهم وحيّوني في بداية اللقاء.
بتاريخ الأربعاء المصادف 30/5/1979 إرتكب نظام خميني مجزرة دموية في مدينة المحمرة أطلق عليها أبناء الشعب الأحوازي ( مجزرة الأربعاء السوداء ) دامت لثلاثة أيام بلياليها أي حتى مساء الجمعة المصادف 1/6/1979 استشهد فيها المئات وتم أسر وجرح عشرات الآلاف من الأحوازيين ومثل هذا العدد تركوا الوطن ولجأ السواد الأعظم منهم إلى العراق، ومنهم وبأعداد قليلة لجؤوا إلى باقي بلدان الخليج العربي خصوصا دولة الكويت، أو هاجروا إلى بلدان الغرب فيما بعد.
من الذين هاجر مضطرا إلى العراق كاتب هذه السطور فؤاد أبو رسالة ، وبعد وصولي بخمسة أشهر ذهبت من مدينة البصرة الى بغداد وتم تعييني مذيعا في الإذاعة الحكومية الرسمية للعراق الناطقة باللغة الفارسية ومن ثم في التفزيون الرسمي العراقي الناطق باللغة الفارسية، إضافة إلى عملي في إذاعة (( صوت الثورة الأحوازية )) التي كانت تبث برامجها من محافظة البصرة.
نكمل الحديث وإياكم في الحلقات القادمة.
من النضال إلى العمالة والدجل صالح الدَكسَن ذو الوجهين
(الحلقة الثانية)
قبل ان ابدأ الحلقة بالعربي اليكم النص الفارسي الذي نَشَرَته المواقع الفارسية ضدي وتَرجَمتُهُ الى العربية:
*******
در آنجا فردی به نام فواد سلسبیل وجود دارد که اصالتی ایرانی دارد اما به همراه حزب خلق عرب به عراق پناهنده شده است. فواد که فعالیت های ملاصالح را بر ضد خود و حزبش به یاد دارد به ابووقاص افسر اطلاعاتی حزب بعث پیشنهاد می کند که ملا صالح را به آنها تحویل دهند که آنها خود اورا شکنجه و اعدام نمایند. اما ملا صالح در آنجا به ابووقاص می گوید که حزب خلق عرب دوست شما نیست. اینها قبل از انقلاب با ساواک و رژیم شاه که دشمن درجه یک شماست همکاری می کرده اند
الرابط أعلاه هو لأحد المواقع الإيرانية يتحدث عن العميل والخائن بالشعب الاحوازي وبالعروبة كلها ملا صالح القاري أو الدكسن ويتطرق فيه لي، ويكذب فيه عليَّ كذبٌ عجيب وقريب، لكن وكما قال شاعر العرب الحكيم أبو الطيب المتنبي:
“ وَإذا أتتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأنِّي كاملُ “.
إليكم ترجمة مقدمة الرابط وهي نص بالفارسي:
“ كان هناك شخص إسمه ( فؤاد سلسبيل ) – ( طبعا يقصدني أنا كاتب هذه السطور ) – وهو من أصول إيرانية لكنه لجأ إلى العراق مع حزب الشعب العربي – ( يقصد به المنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي ) – وكان يعرف أنشطة وفعاليات ملا صالح ضده وضد حزبه، يقترح على ضابط مخابرات أو استخبارات حزب البعث أبو وقاص أن يسلّموا لهم ملا صالح كي يقوموا بتعذيبه وإعدامه، لكن ملا صالح يقول لأبو وقاص بأن حزب الشعب العربي ليس صديقا لكم، وهؤلاء كانوا قبل الثورة يتعاونون مع السافاك ونظام الشاه الذي يعتبر عدوكم الأول “…هذه كانت ترجمة النص الفارسي أعلاه.
يا لهم من دجالين وكذابين وهذا هو ديدن الملالي ( المزيّفين ) والحاقدين على العرب عموما وعلى الأحوازيين خصوصا، لافرق بين هؤلاء الملالي عملاء عرب كانوا أم معممين فرس، كلهم في ميزانٍ واحد.
****
طبعا قبل أن أبدأ العمل في الإذاعة والتلفزيون العراقيين وإذاعة صوت الثورة الأحوازية كنت قد ألقيت كلمة في ملعب الشعب الدولي في بغداد بتاريخ 30/6/ 1979 بحضور أكثر من نصف مليون عراقي حسب الصحف العراقية التي صدرت في اليوم الثاني اجتمعوا كلهم في ساحة ملعب الملعب ومدرجاته وفي ساحات الرياضة والميدان وساحات تمرين كرة القدم تقع في أطراف الساحة الرئيسية للملعب وهو أكبر ملعب في بغداد، وتم تقديمي من قبل المذيع العراقي بهذه الصيغة:
“أبو رسالة ممثل الحركة الوطنية العربستانية يلقي كلمته بإسم الشعب العربستاني”.
بدأت الكلمة التي كتبها لي في حينها الشاعر الكبير والأديب المناضل المرحوم الشيخ ضياء الدين الخاقاني بهذه العبارة:
“جئتكم بوجهي الأسمر وبعَينَيَّ المليئتين بدموع الألم والأمل، جئتكم لأضع أمامكم فلسطين بوجه جديد”.
في هذا الوقت كان التلفزيون العراقي يبث هذا المهرجان والتجمع الكبير جدا على الهواء مباشرة، والشعب الأحوازي خصوصا في مدينة المحمرة ومدينة عبادان والخفاجية والحويزة والبسيتين، لأنها كلها مدن حدودية، وأيضا مدينة الأحواز وبقية المدن بِنِسَبٍ متفاوتة من الوضوح كان يشاهد الحدث في ذلك اليوم، وهذا ما أغاض سلطة الإحتلال الإيراني وأعوانهم والعملاء والخونة المحسوبين على العرب أمثال ملا صالح فحقدوا أكثر فأكثر عليَّ وعلى شعبنا الأحوازي وعلى العراق أيضا.
وكان قد حضر في ذلك التجمع ممثلين عن جميع الشعوب غير الفارسية في جغرافية إيران من كورد وبلوش وآذربايجانيين وتركمان إضافة إلى الشعب الأحوازي، والقى جميع الممثلين كلمات شعوبهم في ذلك اليوم بعد أن قرأت كلمة الشعب الأحوازي وأردفتها بقصيدة ثورية قبل الجميع، وأتذكر من تلك القصيدة الشعبية الآن بيت واحد فقط وذلك بسبب تقادم العمر، أصف فيه نظام دولة الإحتلال الإيراني حيث قلت واصفا لهم:
ذول موش اسلام ما عدهم فِهِم
عنصريه اعلى العرب شَدّوا حِزِم
لا حمية وغيره عدهم لا حلم
ذول اخسّ الناس ذول اشرارها
بتاريخ 1/12/1979 تم تعييني في الإذاعة والتلفزيون، وفي نفس اليوم بدأت عملي فيها وأحسست بأن أمنيتي الثانية قد تحققت بعد أن تحققت أمنيتي الأولى وهي أن أمشي في شوارع بغداد وأتحدث اللهجة البغدادية الجميلة، وهذه الأمنيات كانت تلازمني منذ العشرة الأولى من عمري او بعدها بقليل، وكنت أتابع إذاعة صوت الجماهير والتلفزيون العراقيَين، وإذاعة وتلفزيون دولة الكويت، وكنت ومازلت أحب العمل الإعلامي الإذاعي أي كمذيع في الراديو والتلفزيون، وبدأت العمل كمذيع منذ ذلك التأريخ وبقيت حتى آخر يومي في الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 18/3/2003 أي قبل بدء الحرب على العراق بيومين حيث تم احتلاله وإسقاط النظام فيه بتاريخ 9/4/2003.
بتاريخ 22/9/1980 بدأت الحرب التي فرضها النظام الإيراني على العراق الشقيق، وبدأت الإنتصارات العراقية في جبهات القتال تتوالى، وكثرت أعداد الأسرى الإيرانيين الذين كانوا يقعون بأيدي الجنود العراقيين الأبطال، فصار التنسيق بين التوجيه السياسي العراقي والإذاعة والتلفزيون على إرسال مندوبين من الإذاعة العراقية الناطقة باللغة الفارسية إلى الخطوط الخلفية لميادين الحرب خصوصا في محافظة البصرة ومحافظة ميسان، فوقع الإختيار عليّ أنا وشخص آخر من الأخوة الكورد يعمل في الإذاعة قبلي بسنين وهو في الأصل من مدينة كرمانشاه الكوردية في جغرافية إيران يتولى التسجيل الصوتي، وكانت هناك كاميرات تلفزيونية محمولة ترافقنا لتتولى التصوير التلفزيوني وأنا المذيع الذي يجري اللقاءات مع الأسرى المَلقي القبض عليهم للتو ليتم بث هذه اللقاءات من الراديو والتلفزيون العراقيَين، ومن ثم يتم نقل الأسرى إلى مراكز الأسرى الرئيسية.
إضافة إلى الجبهات كانت الإذاعة ترسلنا أيضا إلى المراكز الرئيسية لإجراء لقاءات مطولة مع الأسرى ممن هو يريد وليس هناك أي إجبار في ذلك، لأن كان هناك مندوبين من الصليب الأحمر الدولي يتواجدون في هذه المراكز، ويشرفون على عملية إجراء اللقاءات، وكان أي أسير يرفض لم يتم أي لقاء إذاعي معه، ويتم منع الكاميرا من تصويره، لكن أغلب الأسرى كانوا متلهّفين على المايكرفون والكاميرا من أجل أن يصل صوتهم وصورتهم إلى أهلهم، وكانوا يطلبون منا أن نعيد لقاءاتهم لعدة مرات.
من ضمن المراكز التي كان المسؤولين يجلبون لها أسرى إيرانيين خصوصا الأسرى من صنف الضباط والمسؤولين الإيرانيين الكبار كوزير النفط ومسؤولين آخرين وقعوا في الأسر للتحقيق معهم قبل نقلهم إلى مراكز الأسرى الرئيسية هو مقر وزارة الدفاع العراقية القديمة التي تقع في منطقة باب المعظم، حيث يُبقونهم هناك أياما معدودة ومن ثم يتم نقلهم، وكل هذه الأماكن كنا نزورها كبعثة إعلامية بالتنسيق مع دائرة التوجيه السياسي العراقية ومنظمة الصليب الأحمر الدولي لإجراء لقاءات مع الأسرى، وهناك تعرّفت على كثير من الأحوازيين وهم جنود في الخدمة الإلزامية الذين كانوا أحوازيين قولا وفعلا ويحبون قضيتهم ووطنهم وهم كُثر، لكنهم كانوا يلاحظون من الإنفراد بي والحديث المطوّل معي خوفا من العملاء، والبعض الآخر وهم قلة قليلة كانوا عملاء وحاقدين قولا وفعلا، وكان نَفَسَهُم وهواهم فارسي أكثر من الفرس كملا صالح الذي يتفاخر بعمالته للنظام الإيراني وخيانته للشعب الأحوازي.
أما كيف التقيت بملا صالح الدكسن أو ملا صالح القاري في مقر وزارة الدفاع العراقية، فسأخبركم بذلك في الحلقة القادمة.
من النضال إلى العمالة والدجل صالح الدَكسَن ذو الوجهين
( الحلقة الثالثة)
الرابط الذي بين ايديكم باللغة الفارسية يحتوي على اعترافات ملا صالح الدكسن بالعمالة لنظام إيران وخيانته للشعب الأحوازي والشعب العراقي أيضا، ويعترف بأنه أحد الذين ينقلون السلاح إلى دول الخليج العربي لخلايا إيران النائمة وإلى أحزاب عراقية ولبنانية عن طريق البحر بزوارق خشبية، كان يخبئ السلاح في صناديق الخضروات والسلع التي كان ينقلها إلى تلك البلدان بعنوان تاجر إيراني.
أما النص الفارسي أدناه الذي نشرته وكالة أنباء فارس التابعة لحرس الثورة الإيراني هو جزء من الرابط أعلاه، قمت بترجمته إلى العربي، والترجمة تأتي بعد انتهاء النص الفارسي مباشرة
النص الفارسي:
(ملاصالح پس از پیروزی انقلاب اسلامی، برای حراست از مرزها و حملات احتمالی ضدانقلاب، ستادی به نام «ستاد عشایر» راهاندازی کرد. او در خرداد ۵۸ مسئول ارتباطات اجتماعی سپاه پاسداران آبادان شد. ملاصالح برای نشر اهداف انقلاب و رهنمودهای امام، در قالب تاجر سفرهایی با لنج به کشورهای حاشیه خلیج فارس انجام میداد و کتابهای دینی، رساله و سخنرانیهای امام را به آنها میرساند. او در یکی از سفرها، *بجای اقلام تبلیغی، سلاحهایی برای حزب الدعوه و سازمان اَمل اسلامی در لنج جاسازی کرد،* اما در نزدیکی کویت توسط قایقهای گشتی عراقی به اسارت درآمد).
وهذه الترجمة العربية للنص الفارسي اعلاه والذي نَشَرَته وكالة أنباء فارس التابعة للحرس:
” بعد انتصار الثورة أنشأ ملا صالح مقرا أو ركنا لحراسة الحدود من حملات العناصر المعادية للثورة أسماه مقر أو ركن العشائر ، وفي أواخر شهر أيار لعام 1979 إرتقى إلى منصب مسؤول الإرتباط لحرس الثورة في عبادان…ملا صالح ومن أجل نشر أهداف الثورة وتوجيهات الإمام أخذ يسافر في ( اللنجة ) وهي زورق خشبي كبير بعنوان تاجر إلى بلدان الخليج ا ل ف ا ر س ي – ( الخليج العربي ) – وكان يوصل الكتب الدينية ورسائل وأحاديث الإمام إليهم، وفي إحدى سفراته بدلا من أن يأخذ تلك البضاعة الدعائية معه، نقل معه في اللنجة أسلحة إلى ( حزب الدعوة ومنظمة أمل الإسلامية )، لكن وبالقرب من شواطئ الكويت تم أسره من قبل زوارق الدورية العراقية “.
كيف صادفت ملا صالح أسيرا بيد الأشقاء العراقيين؟
كما أسلفت في الحلقتين الماضيتين كنت مكلف من قبل المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون كموظف بعنوان مذيع أن أذهب إلى أماكن تواجد الأسرى الإيرانيين في العراق لأجري معهم مقابلات كي يسمع ويشاهد عوائلهم أصواتهم وصورهم التي كان يبثها التفزيون والراديو العراقـيَين على شكل برنامج لقاء مع الأسرى في كل القنوات العاملة وبكل اللغات ومنها اللغة الفارسية.
لا أعرف بالضبط هل هو في عام 1984 أو عام 1985 ذهبت في يوم من الأيام إلى مقر وزارة الدفاع العراقية القديمة الواقعة في منطقة باب المعظم بالقرب من مدينة الطب العراقية لإجراء لقاءات مع أسرى ايرانيين أخبرونا المسؤولين بأنهم وصلوا للتو إلى وزارة الدفاع، وعند دخولي إلى الغرفة التي كان يتواجد فيها الأسرى تفاجأت بملا صالح بينهم، وبعد أن شاهدني بداية طأطأ برأسه إلى الأرض ومن ثم نظر لي وسلم عليّ وعلى البعثة الإعلامية من فنيين ومصورين، وسلّم على زميلي الكردي الذي كان معي وكان يجيد اللغة الفارسية…رددت عليه السلام بالكامل، ومن باشرت بإجراء لقاءات مع الأسرى الإيرانيين، وبعد الإنتهاء من اللقاءات تركته هو وعدد آخر من الأسرى دون إجراء لقاءت معهم بسبب انتهاء الوقت المحدد لنا في التواجد معهم.
بعد الخروج من الغرفة سألني أحد ضباط الاستخبارات قائلا: رأيته يسلم عليك وترد عليه السلام وكأنك تعرفه من قبل؟ قلت له نعم إني أعرفه ويعرفني جيدا وهو من مدينة عبادان القريبة من مدينتي المحمرة.
قال لي الضابط: عرفنا بأنه مذيع وأنه كان من قبل في التنظيمات الأحوازية، وجاءتنا أخبار بأنه يعمل مع حرس الثورة وهو أحد أركان الحرس في مدينة عبادان، وأنه ينقل السلاح إلى البحرين والكويت لزعزعة الأمن فيها، وأيضا ينقل أسلحة إلى العناصر المعادية للعراق لضرب العراقيين في الداخل، وأيضا ينسق معها لضرب الجيش العراقي غدرا…نريد منك أن تضيف إلينا أي معلومات أخرى عنه.
قلت له: أنت تعرف عنه أكثر مما أنا أعرف عنه، رغم أنه يعتبر ابن مدينتي… نعم أعرف بأنه مذيع في إذاعة عبادان الناطقة باللغة العربية، وأعرف أيضا بأنه كان مناضلا وأصبح مع النظام وغيّر بوصلة عمله من النضال إلى العمالة والتعاون مع النظام، لكني لا أعرف بأنه أصبح من أركان الحكومة في مدينة عبادان، لأني خرجت من المحمرة بعد أن ارتكب نظام إيران مجزرة الأربعاء السوداء في مدينة المحمرة في الثلاثين من أيار عام 1979 واستشهد فيها المئات من الأحوازيين، ولا أعرف أيضا بأنه ينقل الأسلحة إلى الكويت والبحرين ويزوّد بها العناصر المعادية للعراق، ثانيا من أين لي كل هذه المعلومات وأنا مجرد مذيع أجري لقاءات مع الأسرى كموظف عليّ تأدية الواجب بما هو مطلوب مني.
بعد يومين ذهبت أيضا إلى نفس المكان لأكمل اللقاء مع بقية الأسرى الذين لم أجري معهم لقاءات في ذلك اليوم بسبب ضيق الوقت، لأن العدد كان كبيرا، فدخلت الغرفة وسلم عليّ ملا صالح أيضا وطلب مني أن يكلمني بعد الانتهاء من اللقاءات، فقلت له: إن شاء الله تعالى.
هنا لابد لي من ان اذكر بما إننا كنا نتعامل مع ملف حساس وخاص بالجيش وبالاستخبارات العسكرية كان علينا أن نكون منضبطين ودقيقين في تطبيق القوانين وأن لا نخطأ بشئ يُحسب علينا فيما بعد وتتم محاسبتنا، لذا أخبرت أحد الضباط الذي كان متواجدا في ذلك اليوم بطلب ملا صالح مني، فقال لي لا مانع من ذلك لكن اخبرنا فيما بعد ماذا يطلب منك…قلت له بالتأكيد سأخبركم. لماذا أكدت عليه بأني سأخبرهم؟ لأني أعرف بأن الكثير من الجنود العراقيين يعرفون اللغة الفارسية وإن كانوا ليس بالمستوى العالي لكنهم يعرفون ماذا يقول الطرف المقابل، وكنت أعرف حين يأتون معي إلى الغرفة بأنهم يراقبون الوضع خلال اللقاء وهذا حقهم خوفا من المندسين والعملاء وهذا هو عملهم كجيش ومنتسبين للإستخبارات العسكرية، لأنهم محاسبين إذا ما أغفلوا عن شيء يعبرهم، لذا اخبرتهم بما طلبه مني ملا صالح،
وكان لزاما علي ان اكون صادقا معهم ومع مهنتي كمذيع يؤدي رسالته الإعلامية.
ماذا كان طلبه مني؟
طبعا ملا صالح وفي جميع لقاءاته مع الإعلام الإيراني بعد أن رجع إلى إيران يدعي كذبا وزورا بأني أنا الذي أعطيت جميع المعلومات للمسؤولين العراقيين عنه وأنا الذي قمت بتعذيبه وأنا طلبت أن يسلموه للجبهة كي تتخلص منه لكنه فلت من ذلك بحيلة احتالها على العراقيين حسب ادعاءاته المزيفة التي كان يبحث من ورائها أن يكون بطلا في نظر أسياده، وأن يكمل خيانته ضد الشعب الأحوازي وعملاته لهم بأحسن وجه.
الذي طلبه مني ويشهد الله على ما أقوله هو نِسَخ من مجلة الأحواز التي كانت تصدرها الجبهة العربية لتحرير الأحواز آنذاك وهي مجلة شهرية، وطلب مني ملابس، وأنا بدوري أخبرت ضابط الإستخبارات بذلك حرفيا، لماذا، لأني كنت واثق بأن الجنود المنتسبين للإستخبارات الذين كانوا يرافقون البعثة الإعلامية يقومون بتسجيل ما دار بيننا، لذا كان عليّ أن أكون دقيقا في هذا الأمر.
قال لي الضابط غدا إتصل بنا ونحن نخبرك بالموافقة على ذلك من عدمها…إتصلت بهم ضُحى اليوم التالي وقالوا لا مانع لدينا من ذلك.
بعد يومين من الموافقة ذهبت إلى وزارة الدفاع وكان بيدي كل ما طلبه مني واضفت على ذلك أيضا مقدارا من التمر وأعطيته له وشكرني على ذلك، وبقيت إلى فترة أشتري إليه بما أتمكن مما يطلبه مني ولم أقصّر في حقه كأسير.
بعد الإنتهاء من إجراء اللقاءات مع الوجبة الكبيرة من الأسرى الإيرانيين لم أتمكن من زيارة ملا صالح، لأني لم أكلف بواجب في المكان الذي هو كان يتواجد فيه إلا بعد شهرين أو ثلاثة، ولما سألت عنه بعد أن لم أجده في مكانه الذي كنت التقيه فيه وهو في وزارة الدفاع قالوا لي بأنه تم نقله إلى مكان آخر، لكن لم يخبرونني بأي مكان، وأنا ليس من حقي أن اصرّ عليهم بتزويدي بالعنوان.
بعد فترة سبعة أشهر من تلك الزيارة تفاجأت وأنا أشاهد خبرا أذاعه أحد المذيعين في تلفزيون العراق مفاده أن: ” السيد الرئيس القائد صدام حسين إلتقى عددا من الأطفال الإيرانيين الذين دفعهم النظام الإيراني إلى جبهات القتال ووقعوا في الأسر” ، وعند ظهور الفيلم تفاجأت ايضا بملا صالح الدكسن حين شاهدته وهو يقوم بدور المترجم في ذلك اللقاء، وتفاجأ معي جميع العاملين في الإذاعة العراقية الناطقة باللغة الفارسية، لأننا اعتدنا أن يكون المترجم في هكذا لقاءات تحتاج إلى الترجمة من الفارسي إلى العربي من منتسبي الإذاعة الفارسية وليس من خارجها، أو من التوجيه السياسي من الضباط أو الجنود الذين كانوا يجيدون اللغة الفارسية.ِ
للحديث بقية تأتيكم في الحلقات القادمة:
من النضال إلى العمالة والدجل صالح الدَكسَن ذو الوجهين
( الحلقة الرابعة)
بعد أن ظهر ملا صالح في تلفزيون العراق بأسبوعين أو أكثر أو أقل من ذلك كمترجم مع الرئيس صدام حسين رحمه الله، صادف أن أرسَلَتنا الإذاعة إلى محافظة الرمادي غرب العراق لإجراء لقاءات مع الأسرى الإيرانيين، هناك وجدت أحد الضباط من منتسبي الإستخبارات العسكرية برتبة نقيب وكنت قد التقيته من قبل في عدة أماكن يتواجد فيها الأسرى، منها مقر وزارة الدفاع في بغداد منطقة باب المعظم، وكان هذا النقيب هو أحد المكلفين على الإشراف على مكان الأسرى، وهو من بادر بالسلام وقال لي: كيف حالك يا فؤاد؟ نظرت إليه وعرفته فرددت عليه السلام، فقام بترحيبي وترحيب باقي زملائي في البعثة الإعلامية… بعد ذلك طلبنا منه أن نجري لقاءات مع الأسرى في أجواء حُرّة، أي بعيدا عن الروتين واللقاءات التي كنا نجريها معهم، قال لا أعرف ماذا تقصدون بالأجواء الحرة؟ قلت له أن نصوّر ونسجّل لهم وهم في أجوائهم اليومية أي كيف يقضون يومهم في الأسر.
وافق الرجل وقمنا بتصويرهم واللقاء معهم وهم يطبخون أكلهم بيدهم بعد أن كان يزودهم مسؤولي المعسكر وهو مكان تواجد الأسرى بما يحتاجونه من مواد أولية كاللحوم البيضاء والحمراء والبقوليات والخضراوات او الخضار، حيث أن الأسرى المسؤولين عن مطبخهم، أي الأسير الشيف والطباخين الأسرى الذي كانوا معه كانوا يقدمون في كل أسبوع قائمة إلى المسؤولين العراقيين بما يحتاجونه خلال الأسبوع من مواد ليُهيِّؤوها لهم، حيث كان لهم في كل يوم أكلهم الذي يختلف عن اليوم الآخر، وكل ما كانوا يطبخونه كان على الطريقة الإيرانية، وصورناهم واجرينا معهم لقاءات أثناء ممارستهم الرياضة وأثناء بعض أعمالهم اليومية، حيث كانت لهم غرفة كبيرة يشغلون أنفسهم فيها من خلال المطالعة ومن خلال مشاهدة التلفزيون خصوصا البرامج الفارسية التي كان يبثها التلفزيون العراقي الناطق باللغة الفارسية، وكانت لهم طلباتهم منا أن نبث لهم ما يرغبونه من أغاني فارسية أو افلام إيرانية، وصورناهم أيضا وكان يمارس بعضهم مهنة التدريس باللغة الفارسية لبعض زملائه الذين لا يجيدون الدراسة، والتقينا الأطباء منهم، والذين كانوا قد وقعوا في الأسر، وهم يمارسون مهنتم فيما بينهم، اي يقومون بمعالجة باقي الأسرى الذين يحتاجون اليهم، لأن العراق كان يهيئ لهم كل شئ.
بعد أن حان وقت غداء الأسرى توقف التصوير واللقاء بهم وأخذت البعثة فترة استراحة في بهو الضباط أي مكان استراحتهم وتناول أكلهم ، حيث قام النقيب بدعوتنا لتناول الغداء معهم، اثناء الحديث هو من بادر وسألني: هل لديك خبر عن صالح؟ قلت له لا أعرف عنه أي شئ سوى إني شاهدته كما شاهده غيري في التلفزيون وهو يترجم إلى السيد الرئيس مع الأسرى الأطفال. قال هل تعلم هو الآن من المدلّلين لدى أحد الضباط الكبار؟ قلت لا والله لا أعرف ذلك. قال نعم يأخذه خارج مكان احتجازه وحتى يأخذه إلى البيت ويتجول به في شوارع بغداد…سكتت ولم أعلق على ذلك لحساسية الأمر، علما أن النقيب لم يذكر لي إسم ذلك الضابط الكبير الذي تبنى أمر صالح.
هنا أصابتني الحيرة والدهشة، وقلت في نفسي:
هل الأخوة الضباط العراقيين الذين يعرفون كل شئ عن ملا صالح الدكسن وهم ضباط استخبارات، وهم قالوا لي بأنه عميل لإيران وينقل هو وزمرته من حرس الثورة أسلحة إلى دولة الكويت والبحرين لزعزعة الأمن فيهما ولتزويد الأحزاب المعادية للعراق لضرب الجيش العراقي ومصالح الشعب ودول الخليج وكما ذكرهم هو مثل حزب الدعوة وحركة أمل اللبنانية وغيرها من الحركات التي تدعمها إيران، أقول هل اكتشفوا مجددا بأن صالح هو المخلص الأوحد للعراق وليس كما وصلتهم المعلومات من قبل عناصرهم المتواجدين في إيران والتي تقول بأنه عميل وهو من حراس الثورة الذين شاركوا في قتل الأحوازيين في مجزرة الأربعاء السوداء في مدينة عبادان والمحمرة عام 1979، وبانت لهم الحقيقة العكسية بأن كل المعلومات التي حصلوا عليها هي معلومات خاطئة وثبت بأن هذا الشخص غير عميل وهو إنسان يحب العراق لذا قاموا بتكريمه وأرسلوه إلى الرئيس بعنوان مترجم وبعد ذلك قاموا باحتضانه ودللوه ورتبوا جميع أموره!!!…والله إن هذا الأمر لمحيِّر حقا، لكن هم الأعرف بعملهم ويجب عليّ أن أبتعد عن طريقهم.
سكتت ولم أعلق ولم اسأل عن إسم الضابط الذي تبناه، لأن ذلك ليس من واجبي وأيضا ليس من حقي.
بعد فترة من ذلك اللقاء تمت دعوة البعثة الإعلامية إلى مقر وزارة الدفاع القديمة لإجراء لقاء مع عدد من الضباط تم أسرهم حديثا فذهبنا إلى هناك وكان عددهم ستة ضباط برُتبٍ مختلفة.
كان أحد الضباط العراقيين وهو برتبة مقدم والذي لم أشاهده من قبل هناك ولم أعرف إسمه هو المسؤول عنهم في ذلك اليوم وكان الوقت ما بين الساعة الواحدة والثانية ظهرا فقال لنا الضابط خذوا راحتكم في البهو وتناولوا أي شئ تحبون حتى يُكمل الضباط الإيرانيين غداءهم.
بعد أن حضر الضباط في غرفة كانت مخصصة للقاء بهم وكان المقدم العراقي واثنين أو ثلاثة ضباط آخرين برتب مختلفة لكن أقل من رتبة المقدم يتواجدون معنا قال لنا المقدم العراقي: اٍسألوهم هل يرغبون باللقاء معهم تلفزيونيا أو إذاعيا أو لا يرغبون في اللقاء معهم نهائيا؟
سألتهم عن ذلك فوافق أربعة منهم أن نجري معهم لقاءً تلفزيونيا وإذاعيا، لكن رفض أثنين إجراء أي لقاء معهم، قمنا بإجراء اللقاء مع الأربعة، وهي لقاءاتٍ روتينية عرّفوا أنفسهم ورتبهم العسكرية فيها، وقالوا في أي وحدات عسكرية إيرانية كانوا يخدمون، وذكروا تاريخ ومكان أسرهم، وطمأنوا عوائلهم بأنهم سالمين وشرحوا لهم عن كيفية المعاملة العراقية معهم وان الصليب الأحمر الدولي سجلهم في سجلاته …ليس أكثر من ذلك.
بعد الإنتهاء من اللقاء ونحن نريد ألخروج من وزرارة الدفاع التقى بي أحد الجنود من منتسبي الإستخبارات العسكرية الذي كان واجبه مع الأسرى، حيث سلم علينا جميعا وقال لي هل تعلم بأن ملا صالح تم إدراج إسمه مع المرضى وكان عددهم بضعة مئات من الأسرى وتم تسليمهم إلى إيران عن طريق الصليب الأحمر الدولي وبعد ذلك تم كشف أمره بأنه غير مريض لكن هناك من سجل إسمه في قائمة المرضى من الأسرى ولا نعرف لماذا!!
الآن هناك تحقيقات في الأمر ستطال الجميع، لأن كثير من الضباط والجنود ونواب الضباط والمراتب تم التحقيق الأولي حول هذا الأمر معهم، والتحقيقات جارية على قدم وساق، ولا نعرف ماذا سيكون الأمر عليه…كان ذلك في بدايات عام 1985 على ما اظن ولست متأكد في أي تاريخ بالضبط.
بعد أربعة ايام وأنا في بيتنا الذي كان في مدينة الكاظمية على شارع المحيط الذي يطل عليه مبنى الشعبة الخامسة التابعة للإستخبارات العسكرية بالقرب من جسر الأئمة في بغداد، وقبل أن استيقظ وكان ذلك في الساعة الرابعة والنصف صباحا تقريبا وإذا بالباب تطرق، عند الإستفسار مَن الطارق قبل فتح الباب أجابني: إفتح الباب نحن من القصر الجمهوري.
فورا فتحت الباب وشاهدت سيارة مرسيدس بيضاء اللون ويقف بجانبها ثلاثة أشخاص يرتدون ملابس زيتوني أحدهم برتبة ملازم لديه نجمة واحدة على كل كتف من أكتافة والأثنين الذين كانوا معه لا يحملون أي رتبة عسكرية.
سلمت عليهم وردوا عليّ السلام بكل أدب وقالوا لي أنت المذيع والمترجم فؤاد سلسبيل؟ قلت لهم نعم هو أنا بالضبط… قالوا لي الآن الساعة الرابعة والنصف، بعد ساعة سنكون عندك وأنت ترتدي ملابسك وتكون على أتم الجاهزية للذهاب معنا إلى القصر الجمهوري ولا تسأل منا عن أي شئ.
قلت لهم سأكون جاهزا وأنا بانتظاركم، لكن سألتهم وقلت لهم: بما أني لدي عمل في الإذاعة يجب أن انجزه ليتم بثه هذا اليوم هل يمكنني أن أخبر المدير بهذا الأمر كي يكلف غيري بتنفيذه قبل فوات الأوان؟
قالوا لا ضير في ذلك، وقل له القصر طلبني لأمرٍ ما ولا توضّح أكثر من ذلك.
كلمت والدي ووالدتي بالأمر، وقلت لهم لا أعرف لماذا جاؤوا ليأخذوني إلى القصر الجمهوري، لكن يجب أن نفكر بكل شئ، وكل الإحتمالات واردة.
بعد ذلك وأنا أتحدث مع والدي خطر ببالي ما حدّثني به ذلك الجندي حول موضوع ملا صالح وتهريبه إلى إيران عن طريق الصليب الأحمر الدولي والتحقيقات الجارية على قدم وساق، وحدثت والدي بالأمر، حيث أنه لم يكن يعرف من قبل بهذا الأمر، فدعالي بالعودة إلى البيت مرة أخرى، وكانت والدتي تدعو لي وتقول: ادعو الله أن يرجعك سالما إلينا…
عندها قلت لوالدي اتصل بمدير الإذاعة في الساعة الثامنة وأخبره بذلك وقل له يكلف شخص آخر للقيام بواجبي لهذا اليوم…علما إني كنت في ذلك الوقت مازلت غير متزوج.
في تمام الساعة الخامسة والنصف وإذا بالباب تطرق، فتحت الباب ووجدت السيارة البيضاء ومعها سيارة بيضاء أخرى أيضا نوع مرسيدس، فقال لي الضابط إركب السيارة الثانية في الخلف، ركبت وركب هو في الأمام بجانب سائق السيارة وكان السائق عسكري ايضا وبدون رتبة، أما السيارة الثانية فكان يجلس فيها أثنين من العسكريين بدون رتب، تحركت سيارتنا، وتحركت خلفنا السيارة الثانية باتجاه القصر الجمهوري.
بعد ربع ساعة تقريبا وصلنا إلى استعلامات القصر الجمهوري وقالوا لي أجلس في تلك الغرفة وانتظر حتى يأتيك شخص آخر، وكانت غرفة متوسطة الحجم فيها طخم قنفات ( موبلات ) وفاكهة فوق طاولة صغيرة وفيها نافذتين كبيرتين من جهتيها وكنت أرى كل من يتحرك أو يمر من جانب الغرفة.
شاهدت كثيرا من الضباط الذين كنت اعرفهم من قبل وكان عملهم مع الأسرى وهم برتب مختلفة فيهم اللواء والعميد والعقيد والمقدم والنقيب والملازم أول والملازم والنائب ضابط وهم يمرون من أمامي لكنهم كانوا قد خلعوا رتبهم العسكرية وأنطقتهم أي الأحزمة العسكرية وهذا قانون عسكري يجري على كبار الضباط أثناء التحقيق معهم…هنا أدركت بأن إحضاري هنا 90% يتعلق بأمر ملا صالح وتهريبه إلى إيران.
جلست من الساعة السادسة حتى الساعة العاشرة قبل الظهر وإذا بشخص يحمل بيده أكل صباحي أي فطور وكان عبارة عن خبز وجبن وزبدة وشاي وماء وقال تفضل هذا فطورك، فشكرته على ذلك وتناولت الأقل القليل جدا منه، لأن نفسي كانت مسدودة على الأكل تماما بسبب عدم معرفتي بموضوع جلبي إلى هنا وأيضا طول الإنتظار وأنا لوحدي في الغرفة، لكني تناولت الشاي بالكامل وشربت الماء أيضا، فكان وضعي غير مستقر، لأني أجهل الأمر تماما لماذا أنا هنا وماذا يريدون مني.
إنتظرت حتى الساعة الثالثة بعد الظهر وإذا بشخص جاءني وقال لي تفضل معي.
ذهبت معه إلى خارج الغرفة ومشينا في ممر طويل وخرجنا من الباب إلى حديقة ومن ثم دخلنا بناية أخرى وقال أجلس هنا في الإستعلامات سوف يناديك أحدهم وتدخل من هنا، وأشار لي بيده اليمنى إلى باب كبير مغلق لونه رصاصي.
جلست حتى الساعة الثالثة و45 دقيقة فتمت مناداتي من قبل ضابط برتبة عقيد ركن يقف بجانب ذلك الباب الرصاصي وقال لي تفضل هنا، ذهبت وسلمت عليه ودخلت إلى الغرفة، وأشار لي أن أجلس على كرسي كان خلف طاولة صغيرة، وجلس هو وأثنين من الضباط برتبة عميد ركن خلف طاولة كبيرة كانت مقابل الطاولة التي كنت أجلس خلفها وكان فوقها جهاز تسجيل فيه كاسيت صوتي – طبعا من الأجهزة القديمة التي كانت متداولة في تلك الفترة الزمنية – وبجانبهم جهاز تسجيل آخر لكنه صغير الحجم وأوراق وصور كثيرة وبدؤوا الحديث بالأسئلة التالية مني:
نكمل بقية الأحداث في الحلقات القادمة.
مرتبط