في عالم اليوم نواجه الكثير من التطورات المتسارعة في مجالات شتى، تطورات تؤثر في حياتنا، حتى اننا لانستطيع تجاهلها فهي بايجابياتها وسلبياتها تغزو مجتمعاتنا. يمكن اعتبار التكنولوجيا على انها السبب الرئيسي الكامن وراء اغلب التطورات التي نمر بها، نظرا لاتساع نطاق الموضوع وتشعباته، لابد من الاشارة هنا الى تلك التي تعود الى الجانبين الاجتماعي والثقافي خاصة تأثيرهماعلى الاسرة والعلاقة الزوجية والاولاد (الذكور والاناث) في مجتمعنا.
من أهم ايجابيات التكنولوجيا :
–تحقق الكثير من التواصل العلمي والثقافي والمعلوماتي بين شتى فئات المجتمع على مستوى العالم.
–تمكن الافراد من التواصل مع بعضهم البعض بصورة مكتوبة وشفهية ومرئية مهما بلغت المسافات بينهم.
–فقدت الحدود والمسافات بين الدول والشعوب اهميتها نظرا الى امكانية التواصل بين الافراد على مستوى العالم بسهولة بالغة وذلك حتى عبر جهاز نقال يباع بثمن قليل وبرمجيات سهلة التحميل.
–حققت الكثير من الشعوب حريات واسعة النطاق واستعادت الكثير من حقوقها المشروعة لأن الانظمة المتغطرسة لايمكنها ان تمارس الاجرام بحق شعوبها كما في السابق وذلك بسبب السرعة الهائلة لنشر الاخبار والصور والمشاهد، وتجدر الاشارة انه أبيدت في الماضي احياء ومدن مأهولة بالسكان دون ان يعلم احد بذلك، بينما الآن ابسط حدث، يمكنه ان يلاقي انتشارا واسعا ويؤدي الى تبعات كثيرة.
–شبكات التواصل والفضائيات سهلت للفرد الاطلاع على العلوم والتقنيات والتطورات التي يشهدها العالم واصبح الفرد يقارن مجتمعه بالمجتمعات الأخرى، الامر الذي سبب لديه تشكيك وتساؤلات كثيرة وتقييمات جديدة وإعادة نظر في امور كانت حتى الآونة الأخيرة في حكم اليقين بالنسبة له.
بما ان ثقافة وتقاليد الشعوب هي دائما عرضة للتغيير ولايمكننا استثناء اي مجتمع بشري من ذلك فمجتمعنا بدوره نال نصيبه من هذه التطورات بايجابياتها وسلبياتها، فقد قللت التكنولوجيا من اهمية الكثير من التقاليد و العادات السائدة و أحدثت ازدواجية لدى الفرد فيما يتعلق بالتقاليد والعادات التي نشأ عليها من جانب وقبول الواقع الذي تغريه به التكنلوجيا من جانب آخر، وفي ظل غياب آليات وسبل لتلبية رغبات واحتياجات وطموح وآمال الفرد في مجتمعنا، يتزايد دور التكنولوجيا في تهميش ثقافتنا وهويتنا كفئة متلقية.
في العهود الماضية ، ينشأ الابناء في بيوت كبيرة تضم عددا كبيرا من افراد الاسرة مع زوجاتهم و اطفالهم وكثيرا ما يلعب الابناء على ضفاف الانهر والبساتين والسهول بينما في الوقت الحاضر ومع تطور التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي وازدياد القنوات الفضائية وظهور الأسر النواتية (تضم الاب والام وعدد قليل جدا من الاطفال)و في كثير من الاحيان يعمل الاهل خارج البيت و يقضي الاطفال جل وقتهم بمتابعة الفضائيات والنت، يمكن القول ان الدور الذي كان يمارسه الاقارب ، الجيران، المدرسة في تثقيف وتعليم الابناء انتقل الآن الى القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية ، حيث من الصعب التحكم بما يتلقاه الابناء من تعليمات قد لاتتناسب مع اعمارهم و الواقع الذي يحيط بهم.
الافراط في متابعة المسلسلات الاجنبية، الإدمان على النت وشبكات التواصل الاجتماعي اصبح نشاطهم اليومي وشغلهم الشاغل ما ادى الى اخفاق دراسي واسع وعدم تحقق الابداع والانجاز، على سبيل المثال اذا تطلب الأمر ان يقوم احد الطلبة باعداد مادة دراسية للبحث العلمي يحصل عليها جاهزة من مقاهي النت دون ان يبذل جهدا او يخصص وقتا لدراسة موضوع محدد في هذا الشأن.
إثر ذلك، صارت مجتمعاتنا تعاني من فئات بشرية ذات فكر سطحي، اؤناس لا تتمتع بقيم ومبادئ ثابتة، تستهلك ما تنتجه الثقافات الاخرى ولايمكنها مواكبة العصر فيما يتعلق بالفكر والاداء.
بشأن البرامج والافلام والمسلسلات الاجنبية، يتأثر اغلب المشاهدين -لاشعوريا – بالاحداث التي يشاهدونها والبرامج التي يتابعونها شاءواأم أبوا، حتى ان البعض يقومون بتطبيق ما يشاهدون ولو جزئيا في البيئة التي يعيشون فيها، ويقومون بممارسات غريبة عن مجتمعهم ، على سبيل المثال: مسلسلات تدور احداثها حول علاقات بين الجنسين تعتبرغيرمشروعة وفقا لأعرافنا وتقاليدنا ينتج عنها اطفال غيرشرعيين (ابناء حرام في ثقافتنا) ثم يقرر هؤلاء الزواج او الانفصال، مع الوقت و إثر متابعة هذه البرامج والمسلسلات يزول القبح عن هذه العلاقة وحتى يذهب الكثيرون الى التعاطف معهم لأنهم ابطال القصة التي يتابعونها .
–في مجتمعاتنا التي يعتبرها الكثير من الخبراء الغربيينبأنها “deprived sexual societies” اي “مجتمعات تعاني من كبت جنسي” فان رؤية مشاهد اباحية وقرآءة كتابات غرامية،خاصة تلك التي تتناول موضوع الجنس تصبح المواضيع الاكثر اهمية بالنسبة للشباب والشابات، الامر الذي من الممكن ان يؤدي الى بلوغ مبكر لدى الجنسين واعمال تحرش وما شابه ذلك.
–ازدياد الخيانات الزوجية: في حال عدم انسجام الزوجين او وجود فراغ عاطفي Emptinessفي ظل العرض المستمر لنماذج من الازواج – عبر الفضائيات- شيئا فشيئ من الممكن ان يقارن الشخص شريك / شريكة حياته بالفئة التي يشاهدها، ما يقلل من قناعته تجاه شريك حياته، هذا و التكنولوجيا ايضا تسهل له التعرف على اشخاص كثر والتواصل معهم لتلبية رغباته خارج نطاق الحياة الزوجية.
–الانشغال الكثير بوسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية يؤدي الى فتور في العلاقة بين افراد الاسرة وجفاف عاطفي وعدم مناقشة الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك اضافة الى عدم معرفة الآباء بمشاكل الابناء، من جانب آخر فان برود العلاقات الاسرية وعدم حصول حوار وتفاهم بين الازواج وافراد الاسرة يزيد من الادمان على هذه الوسائل.
–مشاهدة شعوب تعيش بمستوى مختلف تماما مقارنة بمجتمعاتنايؤدي بالكثير من ابناء الطبقة الكادحة لدينا، الى الشعور بالدونية والاحباط والاكتئاب الامر الذي من المحتمل ان يؤدي الى انحرافات اجتماعية وتفشي ظاهرة الاجرام.
في كل الاحول لايمكننا القاء اللوم على التكنولوجيا وحدها لما لحق بمجتمعاتنا من تدهور في كثير من الجوانب:
–البطالة المتفشية على نطاق واسع والاحباط الناجم عنها في ظل الفقر والحرمان، عدم التمييز بين الفئات التي تعلم والتي لاتعلم وعدم تقدير الكفاءات و الاهتمام البالغ لأمر الشهادة الدراسية وعدم تفاؤل الشخص بتحقيق مستقبل مهني لائق يحول دون تحقيقه مستوى علمي راق.
–انشغال الكثير من الآباء بالجانب المعيشي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والاهتمام البالغ بالمناسبات (من بينها الاعراس ومجالس التأبين) و العلاقات الاجتماعية والجلسات الليلية مع الاصدقاء والتجوال، كلها امور تقلص مستوى الاشراف على سلوك الابناء حتى ان البعض لايدري في اي سنة دراسية يمر ابناءه او اين وكيف يمضون وقتهم.
–عند اختيار شريك الحياة، التركيز على المستوى المالي والجمالي وتهميش جوانب مهمة مثل القواسم المشتركة في الفكر والمعتقد والتوجهات والهوايات ، فارق السن والنظام الطبقي والمستوى الثقافي كلها امور تؤدي فيما بعد الى نشوب ازمات تعصف بالحياة الزوجية وتتسبب بالكثير من المشاكل مثل البرود العاطفي والخيانة الزوجية بشتى اشكالها.
في ظل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها مجتمعاتنا وعدم التوصل الى حلول ناجحة تتناسب مع الظروف التي نمر بها وغياب حلول جذرية فان الاستخدام غيرالمناسب والخاطئ للتكنولوجيا هو سيد الموقف.