هاشم الشعباني، المعلم الاحوازي
سبعة أسباب تكفي لأموت
لسبعة أيام وهم يصرخون بي:
أنت تشن حربا على الإله.!
في السبت قالوا: لأنك عربي.
في الأحد: حسنا، إنك من الأحواز.
في الاثنين: تنكر أنك إيراني.
في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة.
في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟
في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ.
في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟
أبيات من الشعر صرخ بها الشاب السني هاشم شعباني (32 عاما)، قبل أن تنفذ فيه السلطات الشيعية في إيران حكم الإعدام سرا، لينضم بعدها إلى قافلة الشهداء الأهوازيين الذين أعدمتهم طهران، خوفا ورعبا من كلماتهم ضد الظلم والاستبداد والطائفية.
التحق المعلم والشاعر والناشط الثقافي العربي هاشم شعباني (وكنيته أبوالعلاء الأفقي)، ورفيقه هادي راشدي، بركب قافلة المعلمين والشعراء “الخالدين” في ذاكرة أوطانهم، مثل صمد بهرنكي ونبي نيسي وسعيد سلطان بور وفرزاد كمانكر.
أنصار الجهل والضلال في إيران كانوا يخشون نشر خبر إعدامهما، وحاولوا عبثا إخفاء الواقع الأليم، ولم يسلّموا إلى ذوي ضحايا العنف والقتل الممنهج، رفاتي الناشطين، واكتفوا بمكالمة هاتفية بعد أشهر من الكتمان ليعاقبوا بذلك ذويهما بالتعذيب النفسي بعد ما انقطعت سبل الارتباط بهاشم وهادي منذ أشهر طويلة.
وُلد هاشم شعباني في عام 1981 في مدينة الخلفية وخلال السنوات القصيرة من عمره المثمر أنهى دراساته العليا في الأحواز وتخرج في عام 2000 بفرع الأدب العربي من جامعة الأحواز (تشمران) ثم واصل دراسته في قسم العلوم السياسية في مرحلة الماجستير.
عُرف عن هاشم شعباني نشاطه الثقافي خلال الدراسة فكان رئيسا لتحرير صحيفة “نداء البصيرة” الطلابية، وبعدها “البصيرة” كما كان في الوقت نفسه مسؤولا للمكتب السياسي لنقابة الطلبة، وهي من التنظيمات الإصلاحية في كلية الإلهيات ومباني الفقه والقانون الإسلامي في الجامعة نفسها.
وبعد عودته إلى مدينته الخلفية أصبح مدرسا للغة العربية في مدرسة “الشيخ الأنصاري”، وقام برفقة عدد من أصدقائه -منهم محمد علي عموري (إعدام) ومختار آلبوشوكة (إعدام) وجابر آلبوشوكة (إعدام) وهادي راشدي (إعدام) ورحمان عساكره (السجن 20 عاما)- بتشكيل مؤسسة “الحوار” الثقافية، وكان هاشم شعباني شاعرا باللغتين العربية والفارسية.
كانت أشعاره الفارسية تُنشر في صحف محلية منها “نور”، و “فجر”، و”عصر كارون”، قبل اعتقاله في عام 2011 .
وعندما انتفض عرب الأحواز في 15 أبريل 2005 للاحتجاج على سياسات التغيير الديموغرافي، والاضطهاد القومي، والاقتصادي، والثقافي، قبضت السلطات على جميع النشاطات السياسية والثقافية للعرب، وصارت تلاحق النشطاء الأحوازيين وأغلقت مؤسسة “الحوار” الثقافية التي أسسها هاشم وهادي ورفاقهما.
أما روح “هاشم” المتمردة وهو من ثمار “الهزائم التاريخية” و”الفجوات بين الأجيال” قد ساقته إلى البحث عن أسباب تلك “الهزائم التاريخية” في وقت لم تسمح فيه السلطات بالنشاط العلني، وتمنع خروج الجماهير إلى الشارع، فقرر مقارعة جيوش الجهل والظلام وحده واختار لنفسه اسما حركيا هو ” أبو العلاء الأفقي”، وقصيدته الطويلة “الاعتراف بالأفقية” تقدم لنا صورة واقعية عن هذا التمرد، والتي يقول في مطلعها:
ما بین سکون اللیل بکیت
و شوارع عبادان بکت
و الأنهر و الاشجار بکت
زمنت اجنحه مفاهیمي وتفاسیري اخذت تبکي و بکت و بکت و بکت و بکت ..
وأكمل هاشم شعباني من خلال هذه القصيدة، وأخرى هي ” إيقاع مزاريب الدم” رسالته كمعلم ليكون همزة وصل للتاريخ والثقافة.
كما قدم دراسة حول أسباب “فشل الحراك الثوري للعرب وباقي الشعوب في إيران” في عام 1979 وكذلك “الأربعاء السوداء في المحمرة” وتمعن في الثورات التي شهدتها الدول العربية، وصار يغور في عالم الإنترنت الذي لا يخضع للمكان والزمان.
وقبل أيام من اعتقاله كان يضخ بوحدة أفكاره وطموحه الكبيرين في عالم الإنترنت لتبقى “ماكينة الشعب العملاقة” تتحرك.
وبعد اعتقاله أُرغم أبو علاء الأفقي بعد 7 أشهر من التعذيب الهمجي على المشاركة في “مسرحية الاعترافات التلفزيونية المفضوحة، وكشف بعد مثوله أمام محكمة الثورة في 21 مايو 2012 عن التعذيب الجسمي والنفسي الذي تحمله لنزع تلك الاعترافات الكاذبة.
وخاطب في رسالة من السجن “مؤسسات حقوق الإنسان” بقوله إن كل ما كتبه كان لبث “الوعي واليقظة” لكن هذا الأداء أثار الحقد لدى شرذمة تقتات بالترويج لـ “الجهل والضلال”.
لم يكن الحزن على هاشم محليا فقط بين سكان الأحواز بل تعداه إلى خارج حدود الوطن، حيث انتقد الكاتب الصحفي الأمريكي روبرت فيسك في مقاله بصحيفة الاندبندنت إعدام الشاعر الأحوازي شنقا بتهمة “نشر الفساد في الأرض”، قائلا: “كان هاشم شعباني واحدا من بين مئات أعدمتهم الثورة الإسلامية منذ 1979”.
وطالب فيسك بـ”ضرورة أن تكون في إيران جمعية للشعراء الذين قتلهم النظام”.
وتحدث فيسك عن الشهيد قائلا “كل شيء عن شعباني يفضح عار من أعدموه، فهو شاعر يدعو إلى السلام، وله ثقافة عالية، ويرعى والده المريض، وهو جندي مقعد أصيب في حرب 1980-1988 ضد العراق، كما له زوجة وولد وحيد”.
ونقل فيسك عن شعباني قوله في رسالة من السجن “إنه لم يستطع أن يصمت أمام الجرائم البشعة التي تقترفها السطات الإيرانيين ضد الأحوازيين، خاصة الإعدامات بلا محاكمة، وإنه حاول الدفاع حقوق الشعب الأحوازي المشروعة.
واعتبر فيسك “أن القلم في إيران أصبح أقوى من السيف، أمام تزايد جنون أجهزة الأمن بشأن خطر الانفصال، ليس في الأحواز فحسب، وإنما في بلوتشستان، وكردستان إيران، وبين أقليات أخرى”.
وأضاف “الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، وصديق الغرب الجديد في إيران هو الذي صدق على الحكم بالإعدام الذي صدر في عهد سلفه، محمود أحمدي نجاد، بعدما زار الأحواز الشهر الماضي”.
وكشف فيسك عن أن معارضين يؤكدون أن عشرات الفنانين والكتّاب والأكاديميين قتلوا في عهد الرئيس محمد خاتمي، الذي يعتبر غاية في الاعتدال، على الرغم من اعتراضه على قتلهم.
ويقول شعباني في إحدى رسائله من سجنه، التي نشرتها عائلته: إنه لم يعد بمقدوره أن يظل صامتا ضد “الجرائم البشعة ضد سكان الأحواز التي ارتكبتها السلطات الإيرانية، لا سيما الإعدامات التعسفية والظالمة”.
وأضاف: “حاولت أن أدافع عن الحق الشرعي الذي يجب أن يتمتع به كل الناس في هذا العالم وهو حق العيش بحرية مع الحقوق المدنية الكاملة. ومع كل البؤس والمآسي، لم أستخدم سلاحا أبدا لمكافحة هذه الجرائم الفظيعة سوى قلمي”.
وبعد أن طلب إعادة محاكمته أمام محكمة محايدة، اختتم شعباني رسالته بقوله: “لم أشارك أبدا في عمل مسلح مهما كانت دوافعه، لا أتفق مع العمل المسلح إن كانت هناك قنوات سلمية أخرى لتحقيق المطالب والتعبير عن أمانينا”.
وشعباني ليس الشاعر الأول الذي تعدمه السلطان الإيرانية، فقد سبق لها أن خطفت الشاعر اليساري سعيد سلطان في يوم زواجه، وأودعته سجن طهران.
وتركت إيران الشاعر رحمن هاتفي، الذي يكتب تحت الاسم المستعار حيدر مهريغان، ينزف حتى الموت في سجن إيفان بعد أن قطعوا أوردته.
وفي عهد رفسنجاني فشلت محاولة لتصفية عدة شعراء كانوا متجهين لحضور مهرجان في أرمينيا، بينما قتل النظام في عهده عدة شعراء وكتّاب.
أما أسوأ حالات القتل فقد حدثت في عهد خاتمي، حيث قتل أكثر من 80 مثقفا، بينهم محمد مختاري، وجعفر بوياندا، اللذان قتلهما عملاء الحكومة.
نص من قصيدته “الاعتراف بالأفقية” الجزء الثاني:
کي تذکر أني کنتُ هنا أبکي ما بین شوارعها و أذوب خلال الأمطار
کي تذکر أني کنت هنا وسجائرنا کانت معنا تحترق خلال الأریاف
تحترق لکي تبعث برقا یومض کي یرمق درب حسین
ثم تموت
اعترف بأنی مهبوت
وأهب سیوفا خشبیة
أعرف لومت یقول الشارع ماق
قتلته نصال الأوراق
طعنته سهام العصبیة
لکني أبقی أمضي منفردا
أُدلي بجحیم الأشواق
أکتب عن وجع الأفقیة
عن نکهة حبٍّ أزلیة
و دفاتر أشعار الماضي
وسکون لیالي نیسان
…
المصدر: تواصل – وكالات
مرتبط