هل نبارك بمحاكمة رؤساء إيران
في الفترة التي أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال في حق الرئيس عمر حسن البشير، وبثت محاكمة الرئيس المصري مباشرة على الهواء، ويتابع الشعب التونسي محاكمة رئيسهم السابق غيابياً، يتوعد الشعب السوري بمحكمة عادلة لبشار الأسد. لكن ماذا عن رؤساء إيران الذين ارتكبوا جرائم عدة بحق الشعوب غير الفارسية وعلى وجه الخصوص الشعب العربي الأحوازي؟
تعد الفصائل الأحوازية والكردية والبلوشية والتوركمانية والأتراك وغيرهم من القوميات غير الفارسية ملفات ضخمة ومليئة بشواهد تدل على مجازر وجرائم ارتكبت على التوالي بحق هذه الشعوب و بأمر مباشر من زعماء الجمهورية الإسلامية وساسة البلاد، وتجمع هذه الفصائل وثائق تدل على تدمير البنية التحتية ونهب الثروات الطبيعية من المحافظات التي تقطنها هذه الشعوب ومن ثم توظيفها في المحافظات الفارسية. أتطرق هنا إلى أحداث مزرية عاشها الشعب العربي الأحوازي بغية التنويه والاستعداد لمحاكمة من ارتكبوا جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية بحق الشعب الأحوازي الأعزل. إبان انتصار ثورة الشعوب عام 1979 تم اختطاف هذه الثورة على يد الملالي وبقيادة الخميني. ركعت حينها الناس أمام الإمام الجديد ورأت في شخصيته الدينية انعكاساً للعدالة الاجتماعية والسياسية المتغيبة منذ عقود في إيران.
على سبيل المثال قدم الأحوازيون مطالباتهم السياسية والاقتصادية والثقافية المتمثلة بالحكم الذاتي إلى ساسة الثورة في طهران عبر بعثة ضمت 30 شخصية أكاديمية ودينية . تم تجاهل هذه المطالبات ومطالبات الشعوب الأخرى ولم يهتم الخميني ومن حوله من ساسة طهران بهذا الشأن لا بل وشدد من عسكرة الإقليم عبر تسليم الأحواز إلى الأدميرال سيد أحمد مدني قائد القوة البحرية للجيش الإيراني آنذاك. بعد إفشال المفاوضات على يد ساسة طهران بدأت حينها جماهير الشعب العربي في الأحواز تعبر عن مطالباتها الشرعية بالمظاهرات السلمية في أكثر من 18 مدينة و3 آلاف قرية، إلا أنه تم اجتياح المدن والقرى العربية من قبل الجيش وقوات أخرى من الحرس الثوري واللجان الثورية والمستوطنين في الأحواز. راح ضحية هذا الاجتياح اللاإنساني آلاف من المواطنين العرب العزل منهم من قتل ومنهم من جرح ومنهم من قبض عليه و سجن أو تم نفيه إلى خارج الإقليم كما هرب البعض إلى العراق أو الكويت واستطاع القلائل من هؤلاء أن يصلوا إلى أوروبا.
تركز هذا الاجتياح على مدينة المحمرة حيث كانت أكثر نشاطاً مقارنة بالمدن الأحوازية الأخرى ومحل إقامة الشيخ محمد شبير آل طاهر الخاقاني الزعيم الروحي لحركة الجماهير العربية في الإقليم آنذاك. تم نفي الشيخ الخاقاني من المحمرة إلى مدينة قم وحاصر الجيش المحمرة، الأمر الذي أدى إلى مجزرة ارتكبها الجيش الإيراني والحرس الثوري والمستوطنون بتاريخ 29 مايو عام 1979 حتى 31 مايو .1979 لا تقل هذه المجزرة أهمية من حيث عدد القتلى والجرحى والمشردين من مجزرة صبرا وشاتيلا واستمرت الدولة الفارسية بالقمع الممنهج ضد كل ما هو عربي في الإقليم منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا .
تحدث لي صديق صحفي كان آنذاك مراسل وكالة الأنباء الإيرانية في الأحواز حيث قال: (كنت وعدد من الضباط نلف المحمرة ليلاً ونهاراً أثناء أيام الاجتياح، حين نمر على الأشلاء في الشوارع تبدي النكت والضحك وتحقير العرب وعند ما نرى أن دابة تمشي على الأرض الجميع يصوب نحوها ويردف قائلاً إن شاهدت كيف نزل ضابط صف من الجيب (سيارة عسكرية تستخدم في العسكر الإيراني) وقال لصديقه هل ترى ذلك الشيبة؟ ويرد عليه الضابط الآخر حينها ”كجا؟ …كجا؟..” أين هو؟ أين هو؟….” نزل الضابط الآخر وجها الاثنين فوهات بنادقهم نحو الشيبة الذي كان يرتدي دشداشة رمادية وشماغاً أبيض على رأسه ويتمشى مستعجلاً يبدو الاستعجال دلالة على الخوف الذي كان يسود المدينة وعلى بعد أقل من مائة متر حيث تم الرهان على سيجارة واحدة لمن رمى رصاصة تدمر رأس ذلك الشيبة… حينها مكث الاثنان وقال أحدهما للأخر أن من منّا يصوب نحو هذا العربي أولاً؟ واستطرد كلا! لا يمكن الرهان، حيث من الممكن أن تصيب به أنت وسوف أخسر السيجارة أنا… صوب الاثنان بنادقهم نحو ذلك الشيبة و…”. المشرفون على هذه المجزرة التي عرفت فيما بعد بــ” الأربعاء السوداء” حيث أشد يوم في أيام الاجتياح هم عدد من الشخصيات الدينية وضباط الجيش وقيادات الحرس مثل: روح الله موسوي الخميني زعيم إيران آنذاك و مهدي بازركان رئيس الوزراء وعباس أمير انتظام مساعد رئيس الوزراء وأحمد صدر حاج سيد جوادي وزير الداخلية في الدولة المؤقتة وعدد من مندوبي الخميني في السلطات المختلفة في ذلك الوقت كـعلي خامنئي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني و غيرهم.
فأما منفذو المجزرة الذين باشروا بهذه الجريمة في حق الشعب العربي الأحوازي هما الادميرال سيد أحمد مدني الحاكم العسكري و قائد القوى البحرية في الجيش الإيراني، رشح نفسه مدني في أول انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثورة 1979 حيث تم التمجيد بشخصيته من قبل الحزب الذي كان ينتمي إليه (الجبهة القومية الإيرانية) كبطل قومي حيث استطاع أن يخمد ثورة العرب في الأحواز، ولكن بعد نجاح أبوالحسن بني صدر في هذه الانتخابات سرعان ما خرج مدني من إيران وعاش حتى مماته عام 2005 في ”كلورادو” في الولايات المتحدة، آية الله صادق خلخال (توفى) أول رئيس لمحاكم الثورة، كانت لخلخالي مقولة شهيرة حيث يمسك بيده رشاشاً إسرائيلي الصنع ”عوزي” ويقابل أي معتقل سياسي ويقول: سوف أعدمك إذا كنت مذنباً فتذهب إلى جهنم و إن كنت بريئاً مصيرك الجنة! محسن رضائي قائد الحرس الثوري منذ التأسيس حتى نهاية الحرب الإيرانية العراقية وسكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام حتى يومنا هذا. علي شمخاني قائد الحرس الثوري في الإقليم وقائد القوات البرية في الحرس والقوات البحرية فيما بعد ووزير الدفاع في عهد الرئيس محمد خاتمي برتبة ادميرال.
آية الله سيد محمد علي موسوي جزائري مندوب المرشد في الإقليم في كلا العهدين أي عهد الخميني و عهد خامنئي. آية الله سيد علي شفيعي مساعد مندوب المرشد ورئيس محاكم الثورة في الإقليم. آية الله احمد جنتي مندوب الخميني في الإقليم ورئيس مجلس صيانة الدستور حالياً. آية الله أبو القاسم خزعلي مندوب الخميني في الإقليم والعضو البارز في مجلس صيانة الدستور سابقاً ومجلس الخبراء لاحقاً.
حجة الإسلام علي فلاحيان مندوب الخميني في لجان الثورة في ورئيس محكمة الثورة في الإقليم والذي أصبح وزير الاستخبارات في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني ”1989 حتى .”1997 حجة الإسلام محسن محمدي عراقي ”المعروف بـ أراكي” مندوب الخميني في شمال الإقليم و إمام جمعة مدينة دزفول ورئيس محكمة الثورة في الأحواز العاصمة سابقاً ومندوب خامنئي الخاص في شؤون الشيعة في المملكة المتحدة وإمام جامع ”الإمام علي ” في العاصمة البريطانية لاحقاً. غلام علي رشيد رئيس استخبارات الحرس الثوري في شمال الإقليم وأحد أكبر قيادات الحرس في الحرب الإيرانية العراقية و الذي أصبح رئيساً لاستخبارات القوات المسلحة الإيرانية ومساعد الأركان في القوات المسلحة فيما بعد برتبة فريق.
محمد علي جهان آرا قائد الحرس الثوري في مدينة المحمرة الذي قتل أثناء الحرب الإيرانية العراقية. مرتضى لطفي عضو لجنة الثورة في المحمرة ومندوب المحمرة في البرلمان الإيراني فيما بعد ورئيس تحرير صحيفة ”كار وكاركر” التابعة لاتحاد العمال الإيراني لاحقاً. حجة الإسلام غلام حسين جمي (توفى قبل أشهر) وحجة الإسلام سيد أبوالحسن نوري مندوبي الخميني في كل من مدينتي عبادان والمحمرة. أكتفي هنا بهذا الأسماء حيث القائمة تطول في هذا المجال. كما ارتكب الحرس الثوري مجازر مماثلة في كل من كردستان وميناء التركمان على بحر قزوين وبلوشستان وأذربايجان ومجزرة كبيرة جداً راح ضحيتها الآلاف من السجناء السياسيين في عملية عرفت فيما بعد بـ ”عملية تطهير السجون” في البلاد. ياترى هل يصل ذلك اليوم الذي نرى فيه محاكمة هؤلاء؟ سوف تجيب الأيام على هذا السؤال ومن المؤكد أن نبارك لبعض حين محاكمتهم.
بقلم: نـوري حـمـزة
13 آب 2011