كانت للشهيد ( الحجي )، علاقات مع بعض رؤساء العشائر العربية الأحوازية، وإنني حضرت معه بعض زياراته لهم، وكنت ألمس من خلال حديثهم الإحترام الذي كان يتمتع به عندهم، وللأمانة التاريخية أقول: لقد رأيت استعداد هؤلاء الناس، وأعني بهم شيوخ عشائرنا الكرام – على الأقل أولئك الذين جلست معهم بمعيته – للتضحية وبذل كل غالٍ ونفيس من أجل الوطن، حيث سمعتهم يقولون له:
إحنا وجميع أولادنا وأبناء عشائرنا عد عين الوطن .. انضحيله بكل شئ نملكه .. لأن كل شئ إيهون لعيون الوطن.
ومّن يتمكن أن ينكر على الشيوخ دورهم الوطني الرائد حد الإستشهاد و تضحيتهم بالأولاد والعوائل والمال والبنون من أجل القضية؟
وخير شاهد على ما نقول ذلك الموقف الوطني المشرف حد الاستشهادللشهيد البطل الشيخ حامد صالح السهر الزويدات وأبنائه وأبناء عمومته الشهداءالذين وقفوا تلك الوقفة التي سجلها التأريخ بأحرف من نور وتشرفت صفاحته بأسمائهم ومواقفهم البطولية تلك التي بقيت للأجيال الأحوازية الآتية دروسا يتعلمون منها البطولة والثبات على المبادئ والتضحية والفداء.
ومن أمثاله الشهداء الشيوخ :
الشيخ محيي الزيبق
الشيخ حداد التميمي
الشيخ حيدر الطليل
الشيخ مذخور النصار
الشيخ يونس العاصي
الشيخ محيي الدين آل ناصر ورفاقه الشيوخ وووو……
أو الموقف الوطني المشرف الذي عرف به الشيخ حنش اليابر ( الجابر ) شيخ عشيرة مجدمورفيق درب القادة الشهداء محيي الدين آل ناصر وعيسى المذخور ودهراب شميل الذي سجن معهم وتوفي بعد خروجه من السجن، والذي شهد له عدو الاحوازيين علي خامنئيالذي كان معه في السجن أيام الشاه المقبور في إحدى زيارته إلى الأحواز والتي زار فيها والوفد الذي كان معه دار إبنه الشيخ عبدالله حنش اليابر، حيث قال أمام الحاضرين في الديوان: كان الشيخ حنش اليابر ورفاقه الثلاث أبطال وشجعان وخلوقين، وكانوا طيبين وكرماء معي ومع بقية السجناء.
وكثيرون من هؤلاء الشيوخ النشامى الذين لا اعرفهم جميعا واعتذر عن ذلك.
نعم هذه هي نماذج من الشيوخ الوطنيين ومواقفهم الوطنية المشرفة وهم كثيرون والحمد لله، ولا يمكن لأحد أن ينكر دور أبناء هذه العشائر التي ناضلت ومازالت تناضل من أجل تحرير الأحواز، فبفضل الله وبفضل مضايفنا ودواوين هذه العشائر الأصيلة لم يتمكن العدو الفارسي المحتل من أن ينسينا لغتنا العربية العزيزة على نفوسنا، وكذلك تراثنا الشعبي الذي نعتز ونفخر به والذي يجب علينا أن نحافظ عليه، لأنه أحد سيوفنا البتارة بوجه الاحتلال الفارسي.
إنّ للجلسات الشعرية والحكايات العربية القديمة التي كانت تطرح من قبل كبار القوم في هذه المضايف، وكذلك لكلامهم وأحاديثم عن الأحداث التاريخية العربية وأمجادنا وبطولات أجدادنا العظام التي كانوا يتكلمون عنها ونحن نستمع اليهم ، الفضل الكبير علينا والذي لا يمكن لنا أن ننكره، ولولا ذلك لما أصبحنا على ما نحن عليه اليوم، ولأصبحنا يقال عنا: كان هناك في الأحواز عرب في قديم الأيام، ولغزتنا اللغة الفارسية تماما، ولكن وبفضل أبناء هذه العشائر وخاصة رؤسائها العرب المتجذرين في عروبتهم ومضايفنا المنتشرة في كل مدن وقرى الأحواز تمكنا من أن نحافظ على لغتنا العربية وتراثنا الاصيل.
نسمع كثيرا من بعض الأخوة في بعض الأحيان، انتقادات لاذعة ضد شيوخ العشائر العربية الاحوازية، وأنا نوعا ما معهم في انتقاد حالاتٍ غير محببة ولا نرضاها لهؤلاء الشيوخ، ونتمنى عليهم أن يواكبوا العصر الذي يعيشونه والتطور الحاصل فيه والإبتعاد عن كل ما هو غير منطقي ونابع عن تعصب قبلي ولا يتماشى مع هذا الزمن، وسد الهوة بين أبناء الشعب الواحد التي أوجدتها الخلافات والتناحرات القبلية التي يمكن أن تزول ولا تبقى أبدا، وذلك بتنازل أحد الأطراف أو التفاهم فيما بينهم كي تحقن فيها دماء الأبرياء من كلا االطرفين، ونحفظ فيها وحدة أبناء شعبنا العربي الأحوازي الواحد، والتي نحن بأمس الحاجة إليها هذا اليوم.
لكننا وفي الوقت نفسه نقف بالمقابل بوجه الذين يوجّهون لشيوخ عشائرنا إنتقادات جارحة وتصل في بعض الأحيان إلى حد الإهانات، وهذا ما لا نرضاه لهم، لأنه وصل الأمر عند البعض إلى انه يرفض أن نذكر في المجلس الذي يجمعنا به أي شئ عن عشائرنا وشيوخنا العروبيين الأصلاء، وهذا خطأ فادح ويجب علينا الإنتباه إليه.
لقد جرّب أبناء شعبنا، وخاصة الثوار المقاومون منهم، شيوخ العشائر في مواطن كثيرة، ورأينا كيف إنّ بعض هؤلاء الشيوخ يتفاعلون مع الحدث الوطني والقومي، ورأيناهم كيف ينسجمون مع المناضلين والثوار من أبنائهم ويلبون لهم ما يطلبونه منهم، ولكن ورغم ذلك أقولها رأيت بعض الشباب كيف أنهم كانوا يتكلمون مع هؤلاء الشيوخ في جلسات حوارية ودية بأساليب لا يمكن للشيوخ ولا لغيرهم من الحاضرين أن يهضمها أبدا.
مثلا:
كنت جالسا بمعية ( الحجي )، في مجلس فيه عدد من شيوخ عشائر مدينة عبادان، وكان عدد من الشباب الذين كانوا قد جاؤوا مع الحجي يحاورون هؤلاء الشيوخ حول أمور شتى، لكن ومع الأسف الشديد كان الأسلوب الذي ظهر به هؤلاء الشباب أسلوبا غير مرضي ولا ينم عن وعي ثوري لديهم، بحيث إنبرى أحد الشباب إلى الشيوخ وأخذ (( يتفلسف )) كما يقولون ووجه كلامه لهم قائلا:
إنتم – الشيوخ – سبب كل الإنتكاسات .. وسبب فشل كل الإنتفاضات .. لأنكم باقون تراوحون مكانكم ولا تريدون تطوِّرون أنفسكم، وتفكرون فقط بالفصل العشائري والأموال الحاصلة من الفصل الذي تؤديه العشيرة الثانية لكم – الدية – ومبتعدين عن العشيرة وأبناء العشيرة، ومنشغلين بمصالحكم الشخصية ومصالح أقاربكم..
إلى أن وصل به الأمر أن يقول لهم: أنتم بصراحة رجعيون لأنكم تبيعون المرأة كما يبيع الراعي خرافه في السوق، وتتعاملون بالفصل والفصليّة، في الوقت الذي تعيشون ونعيش جميعا في زمن التكنولوجيا المتطورة وأنتم لا تعون ذلك، وهذا ما سبّب تأخر مجتمعكم عن الركب في العالم المتطور.
بالله عليكم
هل إن هذا الطرح مقبول من أحد؟
وهل هو طرح منطقي يُطرح على إنسان يقود عشيرة تتكون من عدة آلاف، ومحسوب على إنه كبير قومه وقائدهم بالعرف العشائري، والمتكلم يمكن أن يكون بعمر حفيده، خصوصا وإنه يطرحه في مجلس عام وأمام أبناء العشيرة؟
يقولون بأن (( الكلام الحلو يطلع الحية من الزاغور أو الجحر ))، أي بمعنى إنه يمكن للإنسان أن يطرح موضوعه بأسلوب نقدي لين يرضي به الذي يريد نقده دون أن يجرحه ويجرح مشاعره أمام الآخرين.
إذن يجب علينا اختيار الأسلوب الأمثل في طرح أي موضوع أمام الآخرين، لأن ذلك هو الذي يبين للآخرين موضوعية طرحنا وتربيتنا العائلية والأخلاق الإجتماعية التي نتحلى بها أمام الناس، وهو سيف ذو حدين، فإذا تمكنا من أستخدامه استخداما جيدا يمكننا ذبح عدونا به، وإلاّ سيذبحنا عدونا به ونخسر الحياة كلها.
فحذاري من استخدام الأسلوب الثوري والصراحة المبالغ فيها في كل المَواطن، لأنه وكما قالوا أسلافنا: لكل مقام مقال وكذلك لا يجوز استخدام اللين في المَواطن التي تحتاج منا الشدة أيضا.
في الحلقة القادمة ستتعرفون على رد الشيوخ على هذا الشاب وما طرحه عليهم وعلى اسلوبه الذي كان غير موفق فيه..
حتى ذلك الحين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلم: فواد سلسبيل
ملاحظة:
من أجل تزويدنا بمعلومات، أو تصحيح معلومة، أو تزويدنا بأسماء الشهداء أو بقية المناضلين الذين لربما ننساها ولا نذكرها مع الأسماء التي نذكرها في الحلقات، أو من أجل أي استفسار تودون أن تستفسروه منا، يرجى التواصل معنا عبر الأيميل التالي: