واجتاحني حب كارون/13
هذه الرابطة أي رابطة شباب الجعفرية لإحياء الشعائر الدينية كانت تناقش في اجتماعاتها الدورية موضوعين دائما:
الاول: مناقشة الأمور التي تخص عمل الرابطة والمناسبات الدينية المقبلة وتهيأة مستلزماتها..
الثاني: كان يختص في أمور سياسية لكن بطريقة ذكية مثلا: كان السيد ( هاشم النزاري ) ، يفرض على الأعضاء التحدث باللغة العربية وتعلمها حتى ولو بالحد الأدنى ، ويعطيهم دروسا أولية فيها،
وكان يمنع استخدام أي مفردة فارسية أثناء الحديث وكان يعلمهم بالمفردة العربية البديلة لهذه المفردة أو أسم الشئ الذي يتلفظونه بالفارسي، كما وإنه كان يقرأ عليهم شيئا من التاريخ العربي والإسلامي الصحيح وليس كما هو موجود في كتب تاريخ الاحتلال الفارسي والذي تم تزويره من قبل المؤرخين الفرس العنصريين بأمر من الحكومات الفارسية، حتى وصل الأمر به أي بالسيد هاشم النزاري أن يختار من بين الاعضاء عددا ممن يثق بهم أكثر فاكثر عندما لمس الحماسة والرغبة في النفوس للدفاع عن عروبتهم وعن وطنهم، وكان يجتمع بهذا العدد من الصفوة بصورة سريّة ويقرأ عليهم تاريخ الأحواز وعروبته ويأتي إليهم بوثائق من كتب التأريخ العربي التي كانت في حوزته ليزيد معلوماتهم وحبهم لوطنهم بمعلومات جديدة كي لا يضيع تاريخ هذا الوطن المحتل الجريح ، وكان يُطلعهم على معلومات عن وطنهم وأجدادهم وما قام به أسلافهم العظام من بطولات وفتوحات ونشر الحضارة الاسلامية والعربية وماذا تركوا من بصمات علمية للبشرية جمعاء، وهذا ما لم يطّلع عليه الأعضاء من قبل.
بعبارة أخرى كان يدير مع هؤلاء الصفوة من الأعضاء إجتماعا لتنظيم سري بدون إسم يذكر وكانت مهمته هو رحمه الله مهمة توعوية ليس إلاّ.
وأضيف للتاريخ ، نقلا عن والدي رحمه الله ، بأنّ لهذا الرجل الفضل الكبير على كثير من اخوانه الذين عاشروه ، سواءً أولئك الذين هم من أقرانه في السن أو من اولئك الذين عمل معهم في إطار هذه الرابطة الدينية – العروبية ، فهو بامكانياته العلمية كان يسعى لتعليمهم وتوجيههم الطريق الصحيح في حب العروبة والاحواز وتاريخ الإسلام.
كان السيد ( هاشم نزاري ) ، رحمه الله سياسيا ويحب عروبته وأحوازه ويناضل من أجل تحريره، لكنه كان يتصرف بحكمة وعقل ولم يكشفه أحد حتى مماته رحمه الله ، وساهم مساهمة كبيرة في وضع مسودة دستور ( المنظمة السياسية للشعب العربي الأحوازي ) ، رغم إنه لم أراه أنا على الأقل زار مقرها ولو لمرة واحدة، لكنه كان يعمل لوطنه بذكاء ودون دراية أحد إلا المقربين منه، و كان يعتبر من الكادر السري للحركة الاحوازية آنذاك، لأن في ذلك الوقت كان هناك مناضلون يعملون خلف الستار للقضية الاحوازية، ونجح هذا الكادر في إبقاء جذوة الثورة متقدة بعد مجزرة الأربعاء السوداء، لأن سلطات الإحتلال الفارسي لم تتمكن من كشف أمرهم ولم تعرف عنهم أي شئ ومنهم من توفي رحمه الله، ومنهم من عجز عن العمل لكبر سنه لكنه نقل جميع تجاربه الثورية إلى نفوس أبنائه وعلمهم حب الوطن وارتداء ثوب الوطنية والثورية ومقاومة الاحتلال الفارسي، ومنهم من مازال مستمرا إلى هذا اليوم سواء في داخل الوطن السليب أو في المهجر.
كان والدي رحمه الله ، من الذين كانوا متواصلين معه ، حول أمور وشؤون المنظمة ( السياسية للشعب العربي الأحوازي ) ، كون والدي كان رحمه الله عضوا في الهيئة التنفيذية ومسؤولا عن لجنة الشؤون المالية في المنظمة السياسية، وأيضا كان أحد أعضاء الوفد الثلاثيني العربي االأحوازي الذي زار قم وطهران برئاسة المجاهد الكبير ( آية الله العظمى الشهيد الشيخ محمد طاهر الخاقاني رحمه الله ) ، والذي كان قد طالب ( خميني ) والحكومة الجديدة المؤقتة برئاسة ( مهدي بازرگان ) بإعطاء العرب حقوقهم المشروعة التي نكرها عليهم خميني وزبانيته وأعطوهم النار والحديد من أجل قتلهم بدلا من هذه الحقوق الشرعية، رغم انهم أطلقوا على حكومتهم الجمهورية الإسلامية!!!.
نعم لقد كان والدي رحمه الله ، من بين الذين كان يثق بهم السيد ( هاشم النزاري ) ، وكان الوسيط بينه وبين المنظمة لإيصال ما يريد إيصاله منه إلى المنظمة ومن المنظمة إليه ، إضافة إلى آخرين ولا أعرف من هُم أولئك المناضلين.
أمّا لماذا اختارت الرابطة المذكورة اسم ( رابطة شباب الجعفرية ) لها ، فإنّ هذا الإسم وكما سمعته من والدي كان هو الكفيل والشفيع والرادع الوحيد الذي كان يبعد المراقبة العلنية من قبل رجال جهاز المخابرات الإيرانية (( جهاز السافاك )) الارهابي عن هذه الرابطة وعن الذين يعملون في اطارها وعن طبيعة عملها، لأن هذه الرابط كانت تحمل إسما يدل على ان عملها هو في خدمة الدين ويصب في خانة حب الرسول محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين – رغم ان الجميع في هذه الرابطة كانوا حذرين جدا من هذا الجهاز خوفا من أن يدس بينهم عناصره من العرب وغير العرب لمراقبة تحركاتهم وعمله، ولهذا كان أكثر الأعضاء لا يعرفون عن إجتماعات الصفوة السياسية برئاسة المرحوم السيد هاشم النزاري.
هنا لابد لنا من التوضيح بأننا عندما نقول بأنّ هذه الرابطة كانت تعمل لخدمة الدين ولم يتمكن نظام الشاه من التعرض اليها، لا نقصد بأنّ نظام الشاه كان يحترم الدين وأهله، لكنه كان يخاف من أن يتعرض علنا لكل شئٍ له صلة بالدين، ولو إنه لم يكن يخاف من ذلك لمحا كل شئ له صلة بالإسلام والأديان، ولو إنه كان يفعل مايريده بالدين وأهل الدين لكن بذكاء وبسرية تامة بعيدا عن عيون الناس، لأن ذلك النظام كان نظاما فاسدا محتلا وعنصريا لايطبق من الشريعة الإسلامية أي شئ، وهكذا هو الحال بالنسبة لنظام خميني الذي أطلق على نفسه الجمهورية الإسلامية وهو بعيد كل البعد عن الإسلام، بل بالعكس استفاد من إسم الإسلام ليرتكب بإسمه جرائم بحق الإنسانية لا تغتفر وبعيدة كل البعد عن الإسلام والشريعة المحمدية خاصة تلك التي ترتكب بحق أبناء شعبنا العربي الأحوازي أحفاد الرسول محمد “ص” ، فالنظامين كلاهما وجهين لعملة واحدة، لأن حكامهما ضد الإسلام ، عنصريين ، قتلة ، مجرمين ، مصاصي دماء ، يكرهون الإنسانية والشعوب غير الفارسية خاصة العرب، ويحقدون عليهم، وهمّهم الوحيد التوسع في أمبراطوريتهم على حساب الآخرين خصوصا البلدان العربية.
نعم كان خوفا من الدين وردَّة فعل الناس لم يتمكن عناصر السافاك من التقرب من هذه الرابطة علنا رغم مراقبتها السرية لعملها ، لأنّ إسمها أختير بذكاء وعملها كان يسير بذكاء أيضا.
كان مقر ( رابطة شباب الجعفرية ) ومكان إقامتها للإحتفالات بالمناسبات الدينية في منطقة ( كوت الشيخ )، وبالذات في حسينية المرحوم ( الحاج حسين الحداد والمعروفة بالحسينية الكبيرة ) ، وكان الأعضاء الرسميّون في هذه الرابطة يضعون على صدورهم وردة خضراء صُنعت من قماش خصيصا لهذا الغرض، كي تميزهم عن بقية الناس الذين كانوا يأتون إلى الإحتفالات وبعضهم كان يرغب بالمشاركة في أي خدمة تحتاجها الرابطة في عملها في مثل هذه المناسبات، وكانت هذه الوردة عزيزة على القلوب والنفوس، بحيث كان أكثر الشباب يتمنون أن يضعوها على صدورهم ، لأنهم كانوا يعرفون جيدا بأنه لا ينتمي إلى هذه الرابطة ولا يصبح عضوا عاملا ورسميا فيها إلا من كان مؤهلا لذلك، وكي يكون المرء عضوا كان لابد له من أن يخضع إلى اختبارات عدة، ولا يكون عضوا فيها إلا من كان معروفا من بين الناس بعائلته وأمانتة وحسن سلوكه وأخلاقه الرفيعة ويلتزم بجميع ما توجهه به عمادة هذه الرابطة.
ان الشخص كان يزداد فخرا وهيبة عندما يحصل على قبول عضوية في هذه الربطة ، لأن مجلسها الذي كانت تقيمه في المناسبات كان يحضره كبار العلماء والأدباء والشعراء ورؤساء الشعائر والوجهاء والخطباء ممن يشار إليهم بالبنان ، وكانت تقصده أيضا شخصيات بارزة في مجال العلم والأدب والشعر من البلدان الشقيقة مثل العراق والكويت والبحرين.