كيف يمكن للمرأة النهوض والمشاركة السياسية إذا كانت قاصرا وضلعا أعوجا ويصعب تزويجها ويسهل تطليقها ومصدرا لتلويث شرف العائلة وسمعتها؟
بعد أن وقعت الدول العربية على الاتفاقية الدولية لمقاومة جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1976 انطلق اهتمام خاص في الدول العربية عن المشاركة السياسية للمرأة خاصة وأن عقد السبعينات شهد ثورة تعليمية بين النساء في كثير من الدول العربية خاصة في مصر ولبنان. فتعالت الأصوات المنادية بضرورة فتح الآفاق السياسية أمام المرأة أسوة بالدول المتقدمة وإطلاقا للحريات العامة.
تسود الثقافة العربية فكرة عن المرأة بوصفها “ناقصة عقل ودين” استنادا إلى الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: “يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين.”
يشير الدكتور صابر بلول في دراسته التي حملت عنوان التمكين السياسي للمرأة العربية بين القرارات والتوجهات الدولية والواقع إلى أن العوامل الاقتصادية هي من أهم المعوقات التي تعترض المشاركة السياسية للمرأة. وفي الواقع أن جميع الدراسات الاجتماعية تؤكد تدني دخل المرأة عن الرجل في العالم العربي وهذا ناجم عن أن المرأة غالبا ما تحتل وظائف دنيا ولا ترتقي إلى وظائف عليا على الرغم من امتلاكها للمؤهلات.
إذ أن التوجه في القطاعين العام والخاص إلى تفضيل الرجل لشغل الوظائف العليا وبالتالي فإن المرأة لا تحصل على نفس الفرصة كالرجل الذي يماثلها في الخبرة والمؤهلات كما أن ربات البيوت يعتمدن في كثير من الحالات إلى إنفاق الرجل عليهن ولا يوجد لهن دخل مستقل. وإذا كانت عاملة فلا ينكر أي أحد أن المرأة غالبا ما يذهب دخلها لولي الأمر إما الأب أو الزوج بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
إن العوامل الاجتماعية هي أشد تأثيرا من العوامل الاقتصادية إذ أن كثيرا من النساء المؤهلات يتمتعن بمستوى اقتصادي مرتفع ومع ذلك فهن لا يحظين بفرصة عادلة للمشاركة السياسية وهذا مرده إلى الموروث الاجتماعي لدى العرب من حيث النظرة العامة بأن المرأة اقل فعالية من الرجل وهي تمر بظروف فسيولوجية ونفسية تحول دون أدائها لوظيفتها أداء فعالا. إن النظرة السائدة في المجتمع العربي هي التفوق الذكوري وهو مجتمع ذكوري بامتياز ينحاز إلى الأبناء الذكور في التعليم والمعاملة والرعاية والدعم المادي والمعنوي.
ويجب ألا نغفل أن مسألة الشرف وإساءة استخدام هذا المفهوم وهو في غاية الحساسية لدى المجتمع كما أن البعض يستغلها لتشويه سمعة الفتاة لمجرد خلافات عادية مما يدفع أهل الفتاة إلى الحد من مشاركتها في الأمور العامة خوفا على السمعة وخشية تلطيخ الشرف. وبشكل عام لا تزال النظرة إلى المرأة بأنها ضلع قاصر وخطر على شرف الأسرة.
فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين، لا توجد قوانين تمنع من ترشح المرأة للانتخابات أو توليها لمناصب وزارية أو غيرها من المناصب العليا، ولكن القوانين الأخرى هي التي ترسخ دونية المرأة بحيث تجعل المجتمع ينظر إلى على أنها طرف ضعيف مستندا إلى كيفية تعامل القانون مع المرأة. وهذا واضح وجلي تماما في قانون الأحوال الشخصية. فمثلا جميع القوانين في الدول العربية تبيح للرجل تطليق زوجته دون إبداء أسباب ودون قسمة الممتلكات بين الزوج والزوجة بعكس ما يجري في الولايات المتحدة.
إن القانون في الولايات المتحدة يفرض اقتسام الممتلكات بين المرأة والرجل لكي لا تضيع المرأة والأطفال والمبرر في هذا الإجراء هو أن الرجل يعمل والمرأة تعمل أيضا بل أن المرأة هي سر نجاح الرجل واعتلائه في العلم والمناصب قكيف يتم تطليقها دون أن تأخذ نصيبا من ثمار تعبها طوال السنين. إن الطلاق السهل في المجتمعات الإسلامية يرسخ النظرة الدونية للمرأة ويجعلها مصدرا لخوف الأهل وقلقهم والمرأة المتزوجة تخاف من استخدام الرجل لهذا الحق وتكرس نفسها لخدمة الزوج والبيت كي لا تلقى مصيرا مجحفا.
وهناك الكثير من مواد قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية تجعل المرأة خائفة دوما وتفضل عدم تشتيت الانتباه عن المنزل. وعلى الرغم من أن نسبة التعليم في الدول العربية أعلى بين الإناث من الذكور إلا أن المرأة هي الأقل دخلا وفرصا في الترقية الوظيفية والمشاركة السياسية بسبب المناخ الاجتماعي والقانوني العام.
إن التغيير الثقافي يقع في صلب العملية الإصلاحية. وهو من أصعب الأمور بالنظر إلى أنه ذو جذور عميقة ضاربة في عمق التاريخ. هل يمكن تغيير النظرة إلى المرأة بأنها “قاصر” أو “ضلع أعوج”؟ وهل يمكن الاعتراف بالبنات كذرية والاكتفاء بهن مع عدم إنجاب ذكور؟ إن غالبية المجتمع العربي ينجبون بهدف إنجاب ذكور وليس إناثا. وتشير مراكز الإحصاء في الدول العربية إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين المتعلمات. وقد أوردت مجلة “الشراع” اللبنانية (7/7/2007 – ص 50-57) تحقيقا مفاده أن نسبة العنوسة في العالم العربي تزيد على 50% أي أن الفتيات فوق الثلاثين بدون أزواج بلغت 50% من عدد النساء العربيات. وبكلمات أخرى، كيف يمكن للمرأة النهوض والمشاركة السياسية إذا كانت قاصرا وضلعا أعوجا ويصعب تزويجها ويسهل تطليقها ومصدرا لتلويث شرف العائلة وسمعتها؟
وبناء على ما سبق فإن المشكلة تكمن في الثقافة المستمدة من الأعراف والموروث الاجتماعي ومن بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية. وبينما ينظر القانون إلى المرأة بوصفها مواطنا يتمتع بكافة الحقوق، ينظر إليها المجتمع كضلع قاصر. وبينما يحث الإسلام على تعليم المرأة ينظر المجتمع إلى أن أفضل تعليم للمرأة هو تعليمها كيفية العناية بالزوج وطاعته لكي لا يتزوج غيرها أو يطلقها. إذن فقانون الأحوال الشخصية يرسخ دونية المرأة ولا يوفر الأمن لها وهذا يجعلها تحجم عن المشاركة في النشاط السياسي وتركز على رعاية الزوج. والخطورة لا تكمن في القوانين التي تميز ضد المرأة فقط ولكنها تكمن في ترسيخ النظرة السلبية للمرأة وتعميقها في الثقافة الشعبية.