تعتبر الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان، ففي هذه المرحلة تنمو القدرات وتتفتح المواهب بسبب قابلية الطفل المرتفعة لكل أنواع التوجيه والتشكيل. فالطفولة هي الغد والأمل، و طفل اليوم هو رجل المستقبل، وثروة الأمة، ولبنة أساسية في بناء مجتمع الغد. ومستقبل أي مجتمع يتوقف إلى حد كبير على مدى اهتمامه بالأطفال ورعايتهم وتهيئة الإمكانات التي تتيح لهم حياة سعيدة ونمواً سليماً يصل بهم إلى مرحلة النضج بكافة أشكاله. لكن الشعب الأحوازي مستلب الإرادة ومغزو من قبل ثقافة فارسية حاقدة على عروبته وهويته وتاريخه، ومعرض لشتى الهجمات الشوفينية القاسية. والفرس يحاولون بشتي الأساليب لتفريس هذه الهوية وصهرها في بوتقة ثقافتهم.
في هذا السياق ومن منطلق إستغلال الأطفال لنشر الثقافة الفارسية وترسيخ تقاليدها في داخل الأسرة الأحوازية تقيم المدارس، وخاصة الإبتدائية منها، في الأحواز كل عام بدعة وظاهرة جديدة تسمى “اليلدا” و التأكيد على الشاهنامه خواني من أجل ترسيخ المفاهيم الفارسية البحتة وتلميع صورة فردوسي عند الأطفال. وبما إن الطلبة في مراحل ما بعد الإبتدائية في مستويات لابأس بها من الوعي الذي يجعلهم يعارضون أو يناقشون معلميهم الفرس عند هذا الموقف، فيبقي الضحية الأكبر في هذه البرامج هم أطفال المرحلة الإبتدائية. والتركيز حالاً بشكل كبير على أطفالنا في الإبتدائية لما يشكلون لدوائر التعليم والتربية الأرضية المناسبة لغرس مفاهيم الثقافة الفارسية.
ألملف-ت في الأمر هو تأكيد دوائر التعليم و التربية على هكذا إحتفالات واضعة إياهن ضمن برامجها التربوية الأساسية بجانب البرامج التعليمية وتكليف المدارس في توفير مصاريف الإحتفالات من الطلبة أنفسهم. والسبب هو محاولة إقناع الأسرة العربية الأحوازية وذلك من خلال مساهمتهم في توفير مصاريف هكذا إحتفالات بأن المشروع يصب في مصلحة الطفل التربوية، هذا من جانب، ومن جانب آخر بأنهن مشاريع ايرانية وطنية لابد للإنسان الأحوازي إحترامهن والإهتمام بهن وبالطبع هذه من الأساليب الدنيئة للأنظمة الشمولية التي لاتعترف بالتعددية العرقية والقومية. وتسعى سعيها لطمس هوية الشعوب وهيمنة هوية معينة بغية إستمرارها في الحكم.
في ظل هذه السياسة الإحتلالية للدولة الإيرانية لطمس هوية شعبنا، تقع المسئولية على عاتق الأسرة أولاً والنخب الفكرية والثقافية ثانية، لوقاية أطفالنا وصونهم من هجوم هذه البرامج والمشاريع.
من واجب الأسر الأحوازية معارضة المدارس ومعلمي أطفالهم إذ ما بادروا في إقامة هكذا برامج وذلك أولاً من خلال التعرف على ما تحمله هذه الإحتفالات والخاصة حفل “الشاهنامه خواني” من خطورة على تربية طفلهم العربية والإسلامية، لما تحتوي شاهنامة فردوسي من أشعار ومواضيع ذات فحوى عدائي للعرب بشكل خاص، وللإسلام بشكل عام.
وبالنسبة لحفل ليلة يلدا فيعتبر الإيرانيون أن “شب يلدا” هي ليلة ولادة أخرى لآلهة المحبة “ميترا”، وكما يزعمون أنها توافق ليلة ولادة السيد المسيح عليه السلام حسب تقويم الكنيسة الشرقية، في محاولة لخلق هوية فارسية كاذبة تتوافق مع العالم الغربي، وبذلك ليعتبروا هذه الليلة هي بمثابة “كريسماس فارس القديمة”.
فينبغي على الأسرة الأحوازية أن ترسخ هذ المفهوم في أذهان أطفالهم، على أننا شعب عربي، أنعمنا الله بنعمة الإسلام، ونحن ننتمي الى أمة حسب تعبير القرآن هي “خير الأمم”، وأصحاب أكبر الديانات وأقربها عند الله وهو دين الإسلام. فالأسرالعربية الأحوازية تكون شريكة في تنفيذ هذه السياسات، عندما تقبل وتهيئ لمشاركة طفلها أو طالبها في هكذا مناسبات وإحتفالات. ان هذه الطوقس والمراسم يعود جذورها التاريخية لسلسلة من الشخصيات و المناهج و المواقف المجوسية، المبنية على أساس معاداة العرب ومناهضة قيم الإسلام المبتنية على التوحيد و الربوبية، حيث انهم يعتقدون بولادة الالهة في ليلة يلدا. فان الأسرة العربية الاحوازية، بقبولها مشاركة فلذة أكبادهم في هذه المراسم، ستضع مصير طفلها كنواة الشعب ومستقبله في طريق المجهول والضياع وتساهم بشكل كبير في تفريس الشعب وتلوثه بتراث وثقافة مجوسية.
في الآخر لابد أن نؤكد على مسئولية النخب الفكرية والثقافية في هذا الشأن وضرورة التوجه نحو توعية الشعب وشرح حيثيات هذه البرامج و المخططات على مستقبله، وهويته العربية التي باتت مهددة من كل الجوانب. بدل أن يقفوا موقف المتفرج من السياسات التي تحاك على قدم وساق لمحو هوية شعبنا.
للأسف الشديد تم تجاهل هذه المحاولات التي يقوم بها النظام ضد أطفالنا بحجة أن علينا التركيز على السياسات الأكثر أهمية والأكثر خطورة. في المقابل مع تفهمنا لموضوع السياسات الاكثر خطورة وضرورة التركيز عليها، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل استهداف العدو أطفالنا لتفريسهم. وأخشى ما نخشاه هو أن تأخذنا الغفلة وبعد عدة سنوات يصبح عندنا جيل لا يفهمنا ولا نفهمه، دع عنك اهتمامه بعروبته وتمسكه بهويته العربية الأحوازية.
فموضوع الهوية وضرورة المحافظة عليها لا تقل أهمية عن السياسات الايرانية لتغيير التركيبة السكانية، ولا عن مخطط سرقة مياه الأنهر الأحوازية وحرف مجراها الى المدن المركزية في ايران. فكما كان للنخب الأحوازية دور في توعية وتحريك الشارع الأحوازي وحثه على الإحتجاجات ضد نقل المياه، فكذلك النظام التعليمي الحالي الذي يحاول مسخ الهوية العربية لدى الأطفال الأحوازيين يستحق أن نليه درجة عالية من الإهتمام، و نرسم استراتيجية للتصدي لهذه المحالات الإستعمارية والعنصرية التي يقوم بها النظام الإيراني الغاصب.