تشهد مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وأطرافها تغيرات جذرية ومتسارعة، كادت تصبح السمة البارزة لهذه المجتمعات. وتأتي هذه التغيرات استجابة لحاجات ومؤثرات داخلية وخارجية، ورغبة في تحقيق توازنات جديدة في هذه المجتمعات.بات ضروريا التموضع في المكان الصحيح للمكونات السياسية والاجتماعية في هذه المجتمعات واتخاذها الاتجاه المناسب في الحراك الجاري حتى تلبي حاجاتها وتحقق أهدافها المشروعة.
هذه التغيرات المفاجئة التي تحدث في المنطقة، تعيد إلى الأذهان التغيرات الإستراتيجية التي حدثت عقب الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة على أثرها إلى دول وأقاليم.التي كان نصيب الشعب العربي الأحوازي منها، خسارة الأرض والسيادة لصالح الشعب الفارسي.
المجتمع الأحوازي باعتباره جزء من محطيه العربي والإقليمي،يتفاعل مع هذا المحيط ويتأثر بأحداثه وتغيراته ويؤثر فيها، ولا يمكن له النأي بنفسه عما يحصل في المنطقة؛ لذلك من الضروري على الطبقة السياسية اتخاذ القرار الصائب في المرحلة الراهنة والتموضع في المكان الصحيح، والابتعاد عن الحيادية والتفرج على هذه الأحداث.وتجنب المواقف الضبابية التي لا تُؤخذ بعين الاعتبار في المعادلات السياسية، ولا يمكن لأصحابها أن يدخلوا ضمن استراتيجيات بعيدة المدى. إن الاصطفاف الصائب في الوقت الراهن،يُعبر عن الحنكة السياسية التي من المفترض أن تتحلى بها هذه الطبقة السياسية الأحوازية.
من أبرز سمات هذا التغير الحاصل في المنطقة هو تطور الفكر المذهبي،ونمو الهوية الطائفية وباقي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والقومية، وتجذر التقسيمات الأفقية ونموها، بغض النظر عن اختلاط الفكر المذهبي بالفكر الطائفي وسلبية هذا الأخير على المجتمعات،وبغض النظر عن التأثيرات المدمرة للهوية الطائفية على الدول، لكن لا يوجد أمام الشعب الأحوازي خيار إلا التعامل مع هذه التطورات التي أصبحت واقعا ويجب التفاعل معها.
من خلال نظرة واقعية للأحداث في المنطقة والتكتلات الحاصلة فيها، لا تستطيع الطبقة السياسية الأحوازية أن تكون محايدة أو تقف في المنطقة الرمادية، وحتى إن أرادت ذلك، فشعوب المنطقة لن تتعامل معها على هذا الأساس.المذاهب السنية منذ فترة بدأت تنتشر في الأحواز وبوتيرة تصاعدية وكل الأدلة والوقائع تؤكد هذا الانتشار. أصبح انتشار هذه المذاهب ظاهرة اجتماعية وقد تصبح قاعدة اجتماعية، والدولة الفارسية رغم امتلاكها آليات القوة والإكراه ورغم توظيفها لهذه الآليات فإنها لم تنجح في التصدي لهذه الظاهرة لحد الآن.
أما الطبقة السياسية الأحوازية لا دور جوهريا – سلبا أو إيجابا -يذكر لها في تفاعلها مع هذه الظاهرة، التي بدأت تتسع رقعتها.
عقائديا، يُعتبر تبني المذاهب السنية ونشرها في الأحواز خطوة أساسية نحو تصحيح العقيدة في الأحواز والرجوع إلى الحاضنة العربية والإسلامية والابتعاد عن المذهب الذي أصبح بفعل الفرس وسياساتهم ستارا تختفي خلفه خرافات وطقوس الزرادشتية، وأصبح أداة يتحكم الفرس من خلاله بمعتنقيه.
سياسيا، لا يمكن تجنب ظاهرة التسنن والاستقطاب المذهبي-في شكله الإيجابي -والاستقطاب الطائفي– في شكله السلبي -.وتُعتبر المذاهب السنية من الضمانات المهمة التي تحافظ على هوية الشعب الأحوازي على المدى الاستراتيجي وتزيد من حدة التناقض مع الفرس على المدى البعيد، والشعب بأشد الحاجة إلى أن يتناقض معهم، وفي نفس الوقت لا ينبغي على الطبقة السياسية أن تتناغم مع الاحتلال الفارسي في محاربة هذه الظاهرة ومعاداته لها، من الحنكة والفطنة أن تتعامل الصفوة الأحوازية مع هذا الواقع الجديد وتستلم زمام المبادرة وتدعم المذاهب السنية وتساندها، قبل أن تصبح هذه المذاهب أداة بيد المتطرفين وأشخاص غير وطنيين أو تصبح أداة بيد الاحتلال الفارسي يتحكم بها خدمة للمصالح الفارسية في المستقبل.
تبني المذاهب السنية في الأحواز يعني الرجوع إلى الحاضنة العربية التي أصبحنا بعيدين عنها وجدانيًا وسياسيًا بسبب ظروف باتت واضحة للجميع. ولكن يجب دعم وتبني هذه المذاهب بالمنطق وبعيدا عن التطرف حتى لاتثير حفيظة المخدوعين وأيضا حتى لايستغل الفرس الفرصة لتنمية الفكر الطائفي المضاد، ومن يظن إن دعم ظاهرة التسنن يعني تفتيتا للحمة الوطنية وإعطاء ذريعة للفرس لقمع الشعب الأحوازي، فالذريعة موجودة واللحمة الوطنية مهددة بالتفتيت قبل وبعد وجود هذه الظاهرة بالأحواز،لأن الذريعة والتهديد بالتفتيت مرتبط بوجود الاحتلال.
في ظل التغيرات الإستراتيجية وإعادة التوازنات في الوقت الراهن منطقيا يعتبر دعم ظاهرة التسنن في الأحواز– بعيدا عن الغلو والتطرف -يعتبر نزولا لرغبة الشعب الأحوازي. الذي اختار هذه المذاهب و تطبيقا لإرادة المجتمع الدولي و مواثيقه التي تمنح الشعوب حرية المعتقد. وهذا الدعم يمكن اعتباره مساهمة في القضاء على رابطة خطيرة على هوية الشعب الأحوازي وقطعا لأهم حلقات التواصل مع الفرس. هذه الحلقة التي لطالما استغلها الفرس، سياسيا وثقافيا في الأحواز وخارجها لتحقيق أهدافهم التوسعية.