بصمات إيرانية…من بغداد للغوطة الشرقية
بعد التعاون الاستخباراتي المضلل مابين طهران وواشنطن الذي أدى لأسقاط نظامي كابول وبغداد في أعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م حققت إيران أهدافها في المنطقة وأصبحت مواقف الولايات المتحدة الامريكية قبال معظم قضايا الشرق الأوسط متراخية تماما.
لم يمر شهرا واحدا على تنفيذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر حتى اندفع الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش بدافع الانتقام من تنظيم القاعدة وحركة طالبان إلى جبال افغانستان في حين أعدت إيران خطتها لإستدراج الالاف من المقاتلين العرب إلى معسكراتها السرية في جبال كرمان المحصنة والقريبة من الحدود الافغانية.
ساهم المقاتلون العرب في مقاومة الحرب السوفيتية واستوطنوا افغانستان في عهد حكم حركة طالبان بعد ما انتقلت قيادات تنظيم القاعدة من الخرطوم إلى كابول.
وبفضل المعلومات الاستخباراتية الإيرانية تمكن الامريكان وحلفائهم من اسقاط نظام طالبان الافغاني بسهولة الأمر الذي فتح شهية جورج بوش لتحقيق نصر ثاني في منطقة الشرق الأوسط لذا بدأ بالبحث عن نظام معادي آخر داعما للارهاب لينقض عليه، فنصح الإيرانيون أمريكا وحلفائها بالتوجه إلى العراق من خلال نشاطات اللوبي الإيراني(الشيعي- الفارسي) في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لعب السياسي العراقي الدكتور احمد الجلبي دورا مركزيا في هذه اللعبة في حين كان النظام الإيراني وبحكم تشابه الايدلوجي ومعاداته لامريكا هو المرشح الأول للهجوم الأمريكي لكن جورج بوش الذي غلبت عليه نشوة الانتصار بلع طعم اللوبي الإيراني دون وعي وقفزعلى الخارطة الإيرانية حتى نزل في بغداد عام 2003م .
وفي عملية احتلال العراق لعبت إيران دورا هاما بفضل المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها للامريكان “فلولا التعاون الإيراني مع امريكا لما سقطت بغداد وكابول” هذا ما اعترف به محمد خاتمي و اكبر رفسنجاني ومحمد علي ابطحي في ما بعد.
وبعد ما توغل الامريكان في المستنقع العراقي توزع الدور الإيراني في العراق على ثلاثة محاور فالمحور الأول ذهب على ظهر الدبابات الامريكية متمثلا بحزب الدعوة وقوات فيلق بدر والمحور الثاني لعب دور المعارض للعملية السياسية في العراق متمثلا بمليشيات مقتدى الصدر و حزب الله العراقي ولعب المحور الثالث دور المحايد والأبوي للعراقيين وهو المرجع الديني إيراني الجنسية السيد علي السيستاني كما أطلقت إيران قواتها من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري مدعومة بالمئات من العناصر القيادية المدربة من المقاتلين العرب وعناصر تنظيم القاعدة من الذين استدرجتهم لاراضيها بعد سقوط كابول هذا بالاضافة لبقايا النظام العراقی السابق التي أعلنت مقاومتها للاحتلال الامريكي وكانت تنطلق من الاراضي السورية مدعومة بالمال والسلاح الإیرانی الذي كان يصلهم عبر النظام السوري.
ففي عام 2005 وبعد تدهور الاوضاع في العراق وتزايد العمليات الارهابية تم تعين زلماي خليل زاد سفيرا للولايات المتحدة في العراق خلفا لنيغروبونتي والسفير خليل زاد هو امريكي من أصول افغانية وصديق لديك تشيني لكنه وبحكم جذوره الافغانية سرعان ما أصبح قريبا من السياسي العراقي ذات الجذور الأفغانية الدكتور ابراهيم الجعفري الذي كان يشغل منصب رئاسة الوزراء آنذاك.
أصبح خليل زاد قريبا من الفرس و التيارات الموالية لإيران في العراق حيث حقق لهم حلمهم في معاقبة الرئيس العراقي السابق صدام حسين كما استفحلت قوات فيلق القدس الإيرانية و شهدت المدن العراقية عمليات ارهابية لم تشهدها من قبل أدت هذه العمليات لاستنزاف الطاقات و القدرات العسكرية الامريكية فتكبدت امريكا خسائر فادحة بالافراد والمعدات أدت هذه الخسائر إلى انسحاب الامريكان من العراق فيما بعد وتقديمه على طبق من ذهب لإيران كما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل.
وفي مراجعة بسيطة للمواقع التي استهدفتها الحركات الجهادية و المقاومة العراقية في السنوات الأولى من الاحتلال الامريكي للعراق نجد أن العمليات الارهابية لم تكن ذات طابع عشوائي بل كانت تتم وفق برنامج منظم ودقيق للغاية حيث استهدف الانتحاريون في المرحلة الأولى التمثيل الدبلوماسي الدولي في العراق و في المرحلة الثانية طالت هذه العمليات التمثيل الدبلوماسي العربي وذلك من أجل تفريغ العراق من وجود مؤسسات دولية ودبلوماسيين أجانب وعرب لعزله عن العالم وعن محيطه العربي.
وبالعودة للتراخي الامريكي حيال القضايا الهامة في الشرق الأوسط ومنها الأزمة السورية و عجز القيادة الامريكية في ايقاف حمام الدم هناك نجد أن وصف الرئيس الامريكي باراك اوباما بالضعيف من قبل الديكتاتور السوري بشار الأسد في لقائه الأخير مع صحيفة لا فيغارو الفرنسية جاء مطابقا تماما مع موقف اوباما من الأزمة السورية.
فمجزرة الغوطة الشرقية واستخدام السلاح الكيمياوي المحرم دوليا والتي يعتبر الخط الاحمر في القوانين الدولية ونقطة النهاية بالنسبة لنظام بشار الأسد الذي تأسد وأصبح أكثر وحشية خلال السنتين الماضيتين مستغلا تراخي الموقف الدولي والعجز والتخاذل الامريكي هزت الضمير الانساني وأصبح رؤساء الدول الغربية خاصة الرئيس الامريكي باراك اوباما في مواقف حرجة للغاية وأصبحت القضية السورية حديث الساعة.
وتوقع معظم الخبراء والمتابعون للشأن السوري أن الضربة الامريكية باتت حتمية وحدد الكثير منهم صبيحة يوم الاحد الماضي أن تكون الصبيحة التي يسمع فيها العالم نباء توجيه ضربات جوية امريكية تشل قدرات النظام السوري العسكرية وتدفعه ليتدحرج نحو الهاوية كما فعل الامريكان مع النظام العراقي السابق ونظام العقيد معمر القذافي في ليبيا لكننا وفي هذه الصبيحة بالذات تفاجئنا بسماع خبر تنفيذ هجوم قوات فيلق القدس الإرهابية تساندها قوات عراقية على معسكر اشرف التابع لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية في العراق حيث قتلت وبدم بارد ثلثي سكان هذا المخيّم المقدر عددهم بحوالي 90 شخص.
التراخي الامريكي أمام مجزرة الغوطة الشرقية و مجزرة فيلق القدس بحق عناصر منظمة مجاهدي خلق في العراق لم يكن الأول في سلسلة العجز الامريكي ولا آخره أمام انفلات إرهاب النظام الإيراني في المنطقة فالشعوب العربية والاسلامية لم تنسى عملية تسليم الرئيس العراقي السابق صدام حسين من قبل حراسه الامريكان والذي كان يعتبر أسير حرب لديهم إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني ليتم اعدامه فجر يوم عيد الأضحى (العاشر من ذي الحجة) من عام 2006م وتبعتها عملية الانسحاب الامريكي لصالح قوات فيلق القدس الإيراني التي تغلغلت في العراق وبسطت سيطرتها على مفاصل الدولة العراقية في ظل الاحتلال الامريكي هناك.
وبالرغم من المعلومات الهامة التي نشرتها الاستخبارات الألمانية وامتلاكها لوثائق تدل على وجود تنسيق مشترك مابين قيادات تابعة لإيران ولحزب الله واخرى تابعة للنظام السوري مع السفارة الإيرانية حول استخدام السلاح الكيمياوي وتصريحات رفسنجاني الذي قال فيها:أن النظام السوري هو الذي استخدم السلاح الكيمياوي ضد شعبه لكنني أصدق نفي الرئيس السوري بشار الأسد لأصداره أوامر تنفيذ مجزرة الغوطة الكيمياوية فالنظام الذي قتل أكثر من مائة ألف سوري وهجر الملايين ومحى مدن وقرى من الخارطة السورية واستخدم أنواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة والصواريخ والقنابل العنقودية دون رادع لا يحتاج أن يعيد مجزرة حلبجه الكيمياوية للأذهان لأنه يعي تماما تداعيات استخدام مثل هذه الأسلحة المحرمة دوليا وبالتالي لأبد من وجود طرف ثالث هو الذي أصدر أوامره باستخدام الاسلحة الكيمياوية و لابد أن يكون هذا الطرف من قيادات الجيش السوري النظامي الذي وحده يمتلك هذه الاسلحة ولديه امكانية استخدامها فمن المرجح أن هذا الطرف أراد أن يضع حدا للأزمة السورية وأن يحرج المجتمع الدولي خاصة الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي أصبح ينضرب فيه المثل في التراخي وبرودة الدم أمام الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات فيلق القدس وحزب الله والنظام السوري.
وحدت مجزرة الغوطة الكيمياوية المجتمع الدولي وزادت من اصراره على معاقبة نظام الاسد وأدخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة من الممكن وصفها بالمرحلة ماقبل الأخيرة ومن أهم مؤشرات هذه المرحلة ظهور علائم التخلي الإيراني عن النظام السوري حيث توزع الموقف الإيراني من الأزمة السورية بعد مجزرة الغوطة الكيمياوية على محورين الأول يتهم ويحمل مسئولية استخدام السلاح الكيمياوي للرئيس السوري مباشرة والثاني يؤكدعلى الوقوف بجانب نظام الاسد حتى آخر لحظة.
فهذا التوزيع الإيراني المفاجئ يدل على أن إيران تعي خطورة المرحلة الجديدة وتداعيات استخدام السلاح الكيمياوي لذا وضعت البيض في سلتين بدل السلة الواحدة.
هناك مثل فارسي يقول:”عدو شود سبب خیر گاهی” أي” یصبح العدو سببا للخیر احیانا” فالتغيير المفاجئ في الخطاب الإيراني يعيد للاذهان مواقف إيران السابقة من احتلال افغانستان والعراق حیث بدّل رفسنجاني المخاطر التي كانت محدقة بإيران إلى فرص وإنجازات لصالح مشروعها النووي و تمددها الإقليمي لذا بدأت اليوم تعد نفسها لمرحلة ما بعد نظام بشار الأسد المتهالك الذي أصبح عالة على اقتصادها المحاصر وقررت تركه ليواجه مصيره المحتوم بوحده خاصة وأن الموقف الامريكي من النظام السوري بعد استخدامه للسلاح الكيمياوي سيكون مهما للغاية للقيادة الإيرانية وسيكون اختبارا جيدا لمعرفة مدى جاهزية القيادة الامريكية لاتخاذ قرارعسكري ودخول الجيش الامريكي في حرب جديدة في الشرق الأوسط.
فإذا لجئت الولايات المتحدة الامريكية للخيار العسكري ضد نظام بشار الأسد وجيشت جيوشها وشنت هجوما عسكريا ضد النظام السوري ستكون طهران هي المزود الرئيس للمعلومات الاستخباراتية للأمريكان كما فعلت اثناء احتلال افغانستان والعراق مقابل اعتراف امريكي بحق إيران بامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية في هذه المرحلة وتعهد امريكي بعدم التعرض لنظامها السياسي والتخلي عن المعارضة الإيرانية بما فيها منظمة مجاهدي خلق.
وفي حال أن عجزت أمريكا وتنصلت من تعهداتها الدولية ومنها معاقبة نظام بشار الأسد او اكتفت بتوجيه ضربات خفيفة لحفظ ماء وجهها سيكون هذا العجز الامريكي فرصة إيران الذهبية وخير مؤشر على تراجع الدور الامريكي في إيجاد توازن قوى إقليمي جديد في الشرق الأوسط بعد ما أسقط الامريكان النظام العراقي الذي كان بمثابة بيضة القبان في ميزان توازن القوى في هذه المنطقة الحيوية من العالم .
بقلم: حامد الكناني
نقلا عن:alahwaz.nl