ساهموا بإطفاء نار فارس
دخلت لصالون حلاقة بمنطقة “سولنا” في ستوكهولم ومكثت قليلاً حتى جاء دوري، جلست حينها على الكرسي الخاص بالحلاقة وكالعادة عند معظم الحلاقين، وقبل أي شيء، بدأ الحلاق بالتحدث معي حيث سألني، “أنتي من أي بلد؟” وقبل أن أرد عليه توجهت له بسؤال، فقلت له، “حضرتك كردي؟”، فابتسم وقال “نعم من وين عرفتني؟”، فأجبته “من أول جملة قلت فيها أنتي”، وهذا ما أعرفه عن اللغة الكردية التي لا وجود فيها لصيغة المؤنث والمذكر.
استمر الحديث بيني وبين الحلاق، وأخبرته في الحديث أنني من الأحواز العربية المحتلة. وتحدث معي الحلاق في موضوع العرقيات والشعوب والاحتلال.. إلـخ.
وحين كان يمرر أصابعه بين شعري ويتزايد صوت حادتي المقص في أذني، تحدثت معه عن الفيدرالية في كردستان العراق، وفي حين كان يتهابط الشعر المقصوص على وجهي، كان الحلاق يتحدث عن البشمركة وقوات الأمن في كردستان، وكذلك عن الاقتصاد والإعلام. وأخيراً سألني “ليش الدول العربية ما تساعدكم؟ فأجبته أن “كل الاحزاب الكردية الإيرانية والسورية والتركية مستقرة في أربيل والسليمانية وأماكن أخرى من كردستان وفي معسكرات خاصة بهم، ولديهم محطات تلفزيونية، وجميعهم أحرار بكل أمورهم وخياراتهم السياسية.
وخوفاً من أن يقطع قسماً من أذني حيث كان يتلاعب بالمقص الحاد ويتحدث بحماس، قلت له “أعطونا فيدرالية ولكن ما قبلنا !”.
فأما عن نضال الشعب الكردي وتضحياته للحصول على الفيدرالية في العراق، والتلويح بين حين وآخر باتخاذ خطوات نحو تنفيذ حق تقرير المصير، أي الاستقلال التام لكردستان ودعمهم اليوم، لكافة الأكراد في كل من إيران وسوريا وتركيا، لا أظن أن يأتي هذا الدعم من قبل شعب مترف وقادة مترفين أكثر. الأكراد طيلة نضالهم في العراق قدموا عشرات الآلاف من أبنائهم ودمرت بيوتهم وشرد الآلاف من عوائلهم، حتى جاء الحزب الشيوعي العراقي في سنة 1962 بمشروع تحت مسمى “الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان” متبنياً حل المشكلة الكردية، حيث تم تطبيق جزء من هذا المشروع، أي الحكم الذاتي في كردستان وذلك في سنة 1970 من القرن المنصرم. ولكن لم يتوقف الأكراد هنا، وبعد فتح المجال لهم بالعمل المؤسساتي في إطار العراق وتدريس اللغة الكردية، وصل الأمر بكردستان وقاداتها أن يأخذوا بزمام الأمور في شؤون الإقليم منذ سنة 1990 ليومنا هذا، ونرى الأكراد اليوم شعباً وحكومة يقدمون ما لديهم لأبناء جلدتهم في أقسام كردستان الأخرى، وبجهودهم هذه يريدون الخلاص للشعب الكردي من البطش الموجه له في كل من إيران وسوريا.
وفيما يخصنا نحن الأحوازيين، نتساءل: أين أخوتنا وأبناء جلدتنا من الشرفاء العرب؟ هل الجميع مترفون ولايستطيعون ان يحركوا ساكناً؟! لماذا إيران الفارسية تمرر مشاريعها بدم عربي بارد في كل من سوريا ولبنان واليمن وفلسطين.
نرى اليوم أن جميع القوى الكردية، وخاصة الأحزاب الكردية الإيرانية، ومن ضمن هذه الأحزاب دعاة استقلال كردستان عن إيران، يستقرون في أربيل ومدن أخرى، وتبث من هناك عشرات الفضائيات الكردية برامجها على مدار 24 ساعة، وكذلك تنطلق قوات المقاومة الكردية من أراضي كردستان العراق، حيث تضرب أهدافاً إيرانية، الأمر الذي خلق أزمة سياسية بين إيران والقيادات العراقية، وعلى وجه الخصوص قيادات إقليم كردستان العراق. ولكن لم يتراجع الإقليم عن دعم الأكراد في البلدان الأخرى.
في المقابل نرى ويرى الكثير من متتبعي الشأن الإيراني أن التغيير قادم في طهران، وتخوفاً من التغييرات السريعة الدراماتيكية التي قد تطال البلد عاجلاً أم آجلاً، والضعف المؤسساتي والتنظيمي لدى الأحوازيين، وبناء على تجربة سبق وخاضها الشعب العربي الأحوازي، حيث وقعت بحقه عدة مجازر، منها مجزرة منطقة ميسان في عام 1936، ومجزرة الميناو في سنة 1940، ومجزرة المحرزي في القرب من مدينة المحمرة في عام 1967، ومجزرة المحمرة في 30 مايو 1979، حيث راح الآلاف من الأبرياء من بنات وأبناء الشعب العربي الأحوازي كضحايا استمرار لغة الضاد في أرض احتلت في أبريل عام 1925. وذلك نتيجة عدم تواجد تنظيمات ومؤسسات أمنية وعسكرية وطنية أحوازية للدفاع عن أبناء هذا الشعب الأعزل. في حين أن الشباب الأحوازي ذو التوجه العروبي والوطني ينتظر اليوم أن يطل عليه أحد ما كي يدعمه للحد من المجازر التي قد ترتكب غداً بحق شعبه، نرى بالمقابل الشعوب العربية يراودها صمت مميت. نرى الجميع يهتز ضميره والجميع يهرول هنا وهناك لإنقاذ المسلمين في بورما من بطش البوذيين، وهذا أمر إنساني ونشد على أيدي كل من يستطيع أن يساهم بمنع ارتكاب المجازر بحق أي فئة من البشر، إن كانت مسلمة أوغير مسلمة. ولكن لماذا العرب وعلى كل المستويات الرسمية والجماهيرية صامتة عما يحدث في الأحواز!؟
أخيراً وليس آخراً، أن اليوم وطبقاً لإحصائيات دوائر العمل التابعة لدولة الاحتلال الإيراني في الأحواز، نرى أن 95% من الشباب في الأحواز العاصمة التي عدد سكانها ما يقارب المليون ونصف المليون هم عاطلون عن العمل، على حد قول “شكرخدا موسوي” مندوب البرلمان الفارسي نيابة عن المناطق العربية المحتلة. وعلى مستوى جميع المدن والقرى في الأحواز تفوق هذه النسبة الـ 60في المائة.
ما أريد ان أستنتجه أن لدينا اليوم في الأحواز جيشاً جاهزاً تتراوح الأعمار فيهما بين 18 عاماً وحتى 40 عاماً، ويستطيع هذا الجيش أن يساهم بمنع مجازر قد ترتكب في المستقبل القريب بحق الشعب العربي الأحوازي.
ما ندعو إليه نحن والعديد من التنظيمات الأحوازية أن تفتحوا لنا أبواب بلدانكم وتعملوا على شاكلة ما حدث في إقليم كردستان خدمة للإنسانية، ولتلاحم أبناء الأمة، وكذلك لحصانة الأمن القومي العربي، من تدخلات الدولة الفارسية. ونرفع صوتنا ونقول، يكفيكم صمتاً حيث صمتكم هذا سوف يدخل النار الفارسية إلى بيوتكم كما حصل في سوريا. ن الوقت يداهمكم، فساهموا بإطفاء نار فارس.
نوري حمزة
صحيفة الوطن – العدد 2472