إيران تعدم شاعراً أحوازياً… وشعراء سعوديون: السلطة الغاشمة تخشى مواجهة الكلمات
هاشم الشعباني، المعلم والشاعر الاحوازي
أثار إعدام السلطات الإيرانية الشاعر الأحوازي هاشم شعباني، أخيراً، استياء واسعاً في أوساط الشعراء والمثقفين، وإذا كان القتل – في رأي بعض الشعراء – مستهجناً في الأحوال كلها، فكيف بقتل شاعر لا يملك سوى كلمات يواجه بها العالم.
عبّر هذا الفعل الشنيع عن خشية السلطة من الشاعر، السلطة الظلامية التي ضربت مثالاً في الوحشية عندما لم تجد سوى الإعدام لمعاقبة شاعر. لن يكون إذاً، وكما يقول عدد من المهتمين، هاشم شعباني آخر الشعراء الذين يُقتلون أو يُعذبون أو يُنفون، فالشعر دوماً وأبداً يشكّل تهديداً مباشراً للسلطات الغاشمة، التي بلغت شأواً في ممارسة الوحشية والبطش.
هنا شهادات لعدد من الشعراء كتبوها لـ«الحياة» حول إعدام إيران للشاعر الأحوازي هاشم شعباني:
غرم الله الصقاعي:
جسر محبة بين الناس
ليس القتل مبرراً لأي إنسان، فكيف بك وأنت تقتل شاعراً؟ هذا الشاعر الذي من المفترض أنه لا يتحزب ولا ينتمي إلى غير الجمال، هذا الكائن الحالم الذي يسعى إلى يكون جسر محبة بين الناس باختلاف مشاربهم وطوائفهم. قد تقتلع السياسة عينه ولا يرى إلا ما تريد، لكن قلبه يظل معلقاً بالسماء، يحتلب منها وعوداً بأن يكون العالم من حوله أجمل، فيطلق للسانه العنان ليوحد القلوب. عبر التاريخ يرفض الفلاسفة والفقهاء والساسة صوت الشعر، ليس لأنهم لا يحبونه، ولكنه لا يحقق لهم مبتغاهم من إثارة الفرقة والنزعة إلى التحزب إلى المنفعة والمصلحة والواقع، الذي يناهض أحلامه دائماً بأن تكون الحياة للناس جميعاً من دون تكييف أو تصنيف. الشاعر رسام كبير لمدن من سلام وإيمان وجمال، لن يموت الشعر بقتل شاعر، بل سيحيا الشعر والشعراء،
فهم لا يموتون من صدور مَن عشقهم ومَن تعلم على يديهم معنى الحب والجمال والحرية.
أحمد الهلالي: وحشية وظلامية
قضية إعدام الشعراء والمفكرين في العالم الثالث، ليست من القضايا المفاجئة أو الصادمة، فأبسط ما يتعرض له هؤلاء يبتدئ بالإقصاء والتحجيم ثم بسلب الحرية، ثم يتدرج إلى استلاب حقه المقدس في الحياة. وتاريخ الحكومات الظلامية زاخر بهذه القصص، والنظام الإيراني من أكثر الأنظمة في العالم الثالث ظلامية وراديكالية ووحشية، وحكم الثورة الإسلامية الفارسية بالموت على الناشطين السياسيين والمفكرين المستقلين والمعارضين للاستبداد والقمع ليس جديداً ولا مفاجئاً، فالنظام قائم من أساسه على القمع والتشنج لفكرة واحدة، وأذرع الاستخبارات الإيرانية تطارد معارضيها في أنحاء العالم كله، وتحاول بكل قوتها «تفريس» الأحواز العربية ومحو التاريخ العربي منها، ولو تأملنا التهم الموجهة إلى الشاعر هاشم شعباني والناشط هادي رشيدي لاتضحت رؤية النظام للمعارضة أياً كانت مبرراتها.
فخوض حرب ضد الله، أو التشكيك في مبدأ ولاية الفقيه، أو إشاعة الفساد في الأرض، كلها تُهَم لها خلفياتها الدينية التي سيتقبلها الشعب الإيراني المؤمن بأفكار الثورة الإسلامية، وهي في الوقت ذاته رسالة إلى كل ناشط أو معارض، أن هذا المصير سيكون جزاءه. تنامت جرائم هذا النظام، سواء أكان داخل المجتمع الإيراني أم خارجه، ضد الأقليات المضطهدة في إيران أم ضد المعارضة الإيرانية، وفي نظري أن الشعراء والمفكرين بحاجة إلى حماية المنظمات الدولية من الحكومات القمعية، ومعاقبة الحكومات التي تجرّم الناس بأقوالهم وأفكارهم وتسلبهم حق الحياة المقدس.
أيضاً، الشاعر يجب أن يكون إنساناً منعتقاً من المحاسبات النظامية والفكرية أو أن تكون محاسبته ألطف من غيره، لأنه قائد فكر نادراً ما يخضع للقوانين الاجتماعية، وإن خضع لها فهو في عداد المتوفين، لأنه يكرر ما يتحدث به الناس في حياتهم العادية، لذا خص الله الشعراء بآية في القرآن يجب أن يطول وقوف المنظّرين عندها وقوفاً يختلف عن الفهم المباشر والتقليدي للآية.
مسفر الغامدي:
سبعة أسباب تكفي ليموت الشاعر
القصيدة شبه الوحيدة التي عثرت عليها للشاعر الإيراني هاشم شعباني، كانت بعنوان: «سبعة أسباب تكفي لأموت». أعتقد أن هذه البقعة التي نسكنها من العالم لديها من الأسباب ما هو أكثر بكثير من تلك التي عددها شعباني في قصيدته المؤثرة.
الحرية بابها الشعر ومفتاحها الشاعر، وفي بقعة تكره الحرية حد الجنون، لا يكفي أن تخفي المفتاح في خزانة ما، بل عليك أن تتلفه إلى الأبد. الشاعر لا يعبث بالكلمات وحدها، بل يعبث بالوجود ذاته، وفي عالم يراد له أن يكون ساكناً خانعاً مطيعاً يسلم قيادة لكل ذي عمة. يكون الشاعر «إرهابياً» لا يفجر الكلمات وحدها، بل يفجر ذلك السكون والخنوع الذي يلف العقول، ويبعث على الأمل بخلاصها. عالم يضيق بالشعر والشعراء حد القتل أو السجن، عالم بلا أمل في مستقبله.
محمد أبوشرارة:
إعدام شاعر تأكيد على الانحطاط
في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جاءت المادة الـ19 صريحة:
لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية. إلا أنه ليس جديداً على السياسة أن تغتال أصوات الأحرار والمفكرين وكبتهم وتكميم أفواههم. فالشاعر يُخلق رافضاً للسائد، متمرداً على القوانين، محاولاً اجتراح آفاق جديدة، ورافضاً كل الأطر والتابوهات. ولذلك، رفض أفلاطون وجود الشعراء في مدينته الفاضلة، لأنهم سيخرجون على قوانينه وأطره.
كان اعتقال الشاعر هاشم شعباني ثم محاكمته فإعدامه بمثابة تأكيد على الانحطاط الإنساني والظلامية التي يمر بها العالم الإسلامي، بل الارتكاس إلى ما هو أشد من عصور الظلام في أوروبا. لا أعوّل على السياسي ولا رجل الدين في إخراج الأمة من هذا المستنقع الآسن، بل المعول الوحيد على الأحرار أمثال شعباني، الذين أحرقوا أنفسهم في ليل الجهل، ليضيئوا الطريق لجيل قادم يؤمن بالآخر، ويؤمن بحق المخالف في التعبير.
محمد خضر:
السلطة ضعيفة في مواجهة الشاعر
الشاعر وهو ينشد العدالة والخير والحق لا بد من أنه وأمام مَن يشكل لهم وجوده خطراً ما، محارب ومهدد، ويبدو أن مَن أعدم هذا الشاعر وهجّر آخرين وكمم أفواه القصائد سلطة تشعر تماماً بقوة هذا الكائن الجميل وحيويته. أسفت لإعدام الشاعر الذي لم أكن أعرف شعره من قبل، وعلى الأنظمة التي تحارب من يخالفها في الرأي والمعتقد، وتعمل دائماً على إعاقة الإبداع لإدراكها. إن الإبداع الحقيقي ذلك المنحاز أبداً للحقيقة، التي تكشف التطرف واللاإنسانية ووحشية الأنظمة التي لا تختلف كثيراً في شرقنا الأوسط.
بقلم: عبدالله وافيه
المصدر: صحيفة الحياة
مرتبط