الاتفاقيات بين العراق وايران من ارض روم إلى اتفاقیة الجزائر 1975
ابرزت فجأة التصريحات وكثرت الاحاديث حول اتفاقية الجزائر الموقع عليها في عاصمة الجزائر بين الجانبين العراقي والإيراني – صدام حسين وشاه – ايران في السادس من آذار عام 1975 وقد قيل حينها أن هذه الاتفاقية تمت برعاية وبمباركة أمريكية ، مصرية ، جزائرية و اردنيه بغية أبعاد المنطقة عن التوترات و إيجاد الأمن والاستقرار للحد من الارتفاع الحاد الذي رافق أسعار البترول آنذاك .
وقد عقد كل من النظامين المذكورين هذه الاتفاقية بمعزل عن إرادة شعبيهما وذلك لعدم وجود مؤسسات ديمقراطية للتصديق عليها، الأمر الذي جعل الالتزام بها مرهون برغبة الشخوص الموقعين عليها أو الرموز الذي ورثت النظامين بعدهما .
وبموجب هذه الاتفاقية تجاهل الطرفان الاتفاقيات السابقة الموقعة بينهما والتي تنص على ترسيم حدودهما البرية والبحرية ، ولعل من بين اهم تلك الاتفاقيات ، اتفاقية ارض روم التي أبرمت اثر ” الهجوم التي تعرضت له مدينة المحمرة عام 1837 من قبل والي بغداد العثماني علي رضا باشا والذى أدى إلى تدميرها، فرأت الدولة الإيرانية ( التي كانت سلطتها رمزية على المنطقة آنذاك ) في هذا الحادث فرصة طيبة واهتمت به اهتماما زائدا وطالبت الدولة العثمانية بتعويض الأضرار التي الحقها علي رضا باشا بأهالي تلك المدينة وقد لقى طلبها هذا الرغبة في نفس الحاج جابر (أمير عربستان ) فأيدها “.[ لمزيد من الاطلاع راجع تاريخ الكويت السياسي ، تأليف حسين الشيخ خزعل ، الجزء الثالث ، ص 96] .
وأبرمت هذه الاتفاقية بعد عقد “مؤتمرا عرف بمؤتمر ارض روم ( ارزنه الروم ) اشتركت فيه كل من الحكومتين الروسية والبريطانية، بالإضافة إلى ممثلي الدولتين المتخاصمتين واستمر ذلك المؤتمر ثلاث سنوات و تمخض أخيرا عن عقد معاهدة بتاريخ 13 جمادي الأخرى 1263 ه 1884م عرفت بمعاهدة ارض روم ( ارزنة الروم ) ، خضعت فيها المحمرة وعبادان وبعض المناطق الأخرى من عربستان إلى الدولة الإيرانية ، وفي المقابل التحقت مدينة السليمانية وتوابعها بالدولة العثمانية وذلك طبقا للمادة الثانية من تلك المعاهدة وهي كالآتي :
تتعهد الحكومة الإيرانية بان تترك للحكومة العثمانية جميع الأرضي المنخفضة أي الأراضي الكائنة في الإقليم الغربي من منطقة زهاب وتتعهد الحكومة العثمانية بان تترك للحكومة الإيرانية القسم الشرقي أي جميع الأراضي الجبلية في المنطقة المذكورة بما في ذلك وادي كرند وتتنازل الحكومة الإيرانية عن كل ما لها من ادعاءات في مدينة السليمانية ومنطقتها وتتعهد تعهدا رسميا بان لا تتدخل في سيادة الحكومة العثمانية على تلك المنطقة أو تتجاوز عليها .
وتعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الإيرانية على مدينة المحمرة ومينائها وجزيرة خضر ( عبادان ) والمرسى والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية اليسرى من شط العرب التي تحت تصرف عشائر معترف بانها تابعة لإيران ، وفضلا عن ذلك فللمراكب الإيرانية حق الملاحة في شط العرب بملء الحرية وذلك في البحر إلى نقطة اتصال حدود الفريقين ” (لمزيد من الاطلاع راجع تاريخ الكويت السياسي الجزء الثالث ، ص ، 96 و79من تأليف حسين الشيخ خزعل ) وبذلك وهب ما لم يملكون إلى ما لم يستحقون.
” وقد أثارت الدولة العثمانية في مذكرتها الإيضاحية المؤرخة 26 – 4 – 1847 م المقدمة إلى السفيرين الروسي والبريطاني في إسطنبول بعض الأسئلة فذكرت في إيضاحها الأول كما يلي :
يضمن الباب العالي بان الفقرة الواردة في المادة الثانية في مسودة المعاهدة والتي تنص على ترك مدينة المحمرة ومينائها ومرساها وجزيرة خضر لإيران لا يمكن أن تشمل أراضي الباب العالي المتضمنة خارج المدينة ولا موانيها الأخرى الواقعة في هذا الإقليم .
ويهتم الباب العالي كذلك فيما يتعلق بالنص الوارد في فقرة أخرى من هذه المادة حول إمكان تقسيم العشائر التابعة فعلا لإيران ، أي سكان نصفها الواحد في أراضي عثمانية ونصفها الأخر في أراضي إيرانية ، أن يعلم هل أن ذلك معناه أن تصبح أيضا أقسام العشائر الموجودة في تركيا خاضعة لإيران وبالتالي أن تترك كذلك لإيران الأراضي تحت تصرف تلك الأقسام ؟
وهل سيكون لإيران الحق يوما من الأيام في المستقبل في أن تنازع الباب العالي بحق التصرف في الأراضي المذكورة ؟
فأجابها السفيران بمذكرة مشتركة بتاريخ 26 – 4 – 1847 م بما يلي :
” … بخصوص أن مرسى المحمرة هو القسم الواقع مقابل مدينة المحمرة في قناة الحفار و هذا التعريف لا يحتمل أن يؤثر على أي تفسير أخر وفضلا عن ذلك فان ممثلي الدول الموقعين أدناه يشاطران الحكومة العثمانية الرأي القائل بأن ترك الحكومة العثمانية لإيران مدينة المحمرة ومينائها ومرساه وجزيرة الخضر في المنطقة المذكورة لا يعني تركها أي ارض أو موانئ أخرى موجودة في تلك المنطقة .
ويصرح كذلك الممثلان الموقعان أداناه بانه لن يكون لإيران الحق باي حجة كانت من أن تقدم أي ادعاءات حول المناطق الكائنة على الضفة اليمنى من شط العرب ولا حول الأراضي العائدة لتركية على الضفة اليسرى حتى اذا كانتا تقطن تلك الضفة أو تلك الأراضي عشائر إيرانية أو أقسام منها وأجابت الدولة العثمانية بمذكرتها المؤرخة في 29 جمادي الأول 1263 ه، والدولة الإيرانية بمذكرتها المؤرخة 31 – 1 – 1848 م بالموافقة على ما جاء في مذكرة السفرين .
فزاد هذا الحادث مكانة المحمرة السياسية والتجارية و زاد الحاج جابر حرصا على تقدم قطره وعلو شأنه ” نفس المصدر السابق ، ص97 و98 .
وعندما هاجمت الحكومة البريطانية بأسطولها المحمرة بتاريخ 29 رجب 1273 هج 26 مارس 1857… ولم يصمد الجيش الإيراني … ” فصمد الشيخ جابر ” أمير عربستان ” بوجه الهجوم البريطاني متكلا على اتباعه فجرت صدامات قوية وبقي كذلك إلى أن وردت الأنباء بالصلح بين بريطانيا وايران عندئذ انسحبت القوات البريطانية من المحمرة ” نفس المصدر السابق ، ص 100.
وبعد ذلك اصدر ناصر الدين شاه القاجار في أواخر عام 1273 هج 1857 ميلادية مرسوما ملكيا يتضمن منح إقليم عربستان استقلالا ذاتيا واسع النطاق خلاصته كما يلي :
-
تكون أمارة عربستان إلى الحاج جابر بن مرداو الكعبي ولأبنائه من بعده .
-
تبقى الجمارك تحت رعاية الدولة الإيرانية.
-
يقيم في المحمرة مأمور من قبل الدولة الإيرانية ليمثلها لدى أمير عربستان ومهمته تنحصر في الأمور التجارية فقط .
-
يكون علم الأمارة نفس العلم الإيراني .
-
تكون النقود المتداولة في عربستان نفس النقود الإيرانية .
-
شؤون عربستان الخارجية منوطة بوزارة الخارجية الإيرانية .
-
يتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الإيرانية بجيوشه في حالة اشتباكها بالحرب مع دولة أخرى.
نفس المصدر السابق ، ص، 100.