هل ثمّة فرص لنشوء تحالف إقليمي عربي لمواجهة المشروع التوسّعي الإيراني؟
الباحث اللبناني: نعم
ثمّة فرصة حقيقة لنشوء هذا التحالف والتوازن
لماذا كل هذه المنازعات، بصنوفها الكثيرة، مع النظام الإيراني؟ ما أسبابها؟ وهل هذا الخلافُ، بشقيه؛ المُضمر والمُعلن، يستوجب تشكيلَ تحالف عربي بغرض مواجهة هذا النظام، والوقوفِ أمامَ تمدده في العالم العربي؟ وعلى تقدير وجوب تشكيل تحالفٍ كهذا، هل ثمة فرصٌ لتشكيله؟ أسئلة كثيرة، ما كانت لتُطرحَ لولا ظهورُ ما يستدعى ذلك، أي ظهورَ النظامِ الإيراني بالمظهر الذي هو عليه الآن؛ داعمٌ لنظام الأسد في سوريا، ومنتهكٌ لسيادة الدولة الوطنية في بعض البلدان، ومُحّرضٌ على العنفِ في بلادٍ أخرى.
1- «التحالفاتُ كردٍ على التهديد» يذهبُ جمعٌ من فقهاء السياسة وعلمائها إلى تعريف «التحالفات» على أنها، في وجه من وجوهها، «تأتي كردّ على التهديداتِ التي تقومُ بها دولٌ أو تحالفاتٌ أخرى» (WALT, S.M. , 1988: 275 – 316). في واحدة من أوراقه البحثية المنشورة، لا ينسى الأستاذ بجامعة هارفارد، ستيفن والت، تعيين الأسباب الدافعة لتشكُّل التحالفات على نحوٍ أكثر دقّة، ومنها، قيام دولٍ، كبيرة كانت أم صغيرة، مقتدرة كانت أم عكس ذلك، بإظهارٍ أي سلوكٍ عدواني، ويعطي أمثلة على ذلك؛ الأولُ، ألمانيا النازية، التي، وبسبب تعاظم قوتها وطموحاتها العدوانية، أسست لواحدٍ من أعظم التحالفات ضدها، والثاني، نظام معمر القذافي، الذي دفع، في القرن الماضي، كلا من مصر، والسودان، وفرنسا، والولايات المتحدة، وتشاد، للتعاون سياسيا وعسكريا لغرض الوقوف بوجه نشاطاته ومحاولة صدِّها (WRIGHT, CLUDIA. 1981 – 1982: 13 – 41; WALT,S.M. 1985 :3 – 43).
في كتابه «The Origin of Allainces»، يذهبُ ستيفن والت إلى اقتراح تغييرٍ جذري في المفاهيم الحالية لنظم التحالفات، فهو، وخلافا لنظرية «توازن القوى» التقليدية، يناقشُ بأن الدولَ إذا أرادت القيام بتشكيل تحالفاتٍ، فعليها القيامُ بذلك لا لغرض تحقيقِ «توازن قوّة»، بل لغرضِ تحقيق «توازن تهديد» (WALT,S.M 1987). يحدد والت أربعة معايير تعتمدها الدولُ حينَ تقييم التهديد الذي تشكله دولٌ أخرى، ويعتبرُ أن أي دولة تحملُ بعض هذه الصفات أو كلّها، فإنها ستستدعي من الدول الأخرى العمل على إيجاد «توازن تهديد»:
أ – قوتها الإجمالية: الحجمُ وعدد السكان والقدراتُ الاقتصادية ب – الجغرافيا: المسافة الفاصلة بينها ت – قدراتها الهجومية ث – نواياها العدوانية
إذن، – وبالقدر الذي يسمحُ به بالمقام – تأتي نظرية «توازن التهديد» هذه، لا لتنسف نظرية «توازن القوى»، بل لتفصل «القوة» عن «التهديد»، أي، بمعنى آخر، لــ«تعطي الحق»، من جهة، لأي دولة بتنمية قدراتها العسكرية والاقتصادية.. إلخ، ما دامت لا تشكّل أي تهديدٍ لمصالح دولٍ أخرى، ولا تحملُ في جعبتها سلوكا عدوانيا لجيرانها، أقربين كانوا أم أبعدين، وهي، أيضا، من جهة أخرى، تأتي لــ«تبرر» ذهاب دولٍ نحو التحالف فيما بينها لغرض إقامة «توازن تهديد».
2 – حلفٌ عربي – «توازنُ تهديد» ضد النظام الإيراني: لماذا، ولمَ الآن؟ في اليوم الأول من شهر شباط (فبراير) عام 1979، حطّت طائرة في مطار طهران الدولي، حاملة على متنها السَّيد الخميني وعدَّة ثورته، من «حَرسيينَ» مُتطرفين، وصَحْبٍ مؤيدين، ومُريدينَ خُلَّصٍ أقربين. يومها، وقبلَ أن يتحوّل سلوك «النظام الحرسي» ويصيرَ مرتعا خصبا لصنوفٍ كثيرة من الخلط والتداخل التلفيقي، استطاعَ أن يُوقدَ الوجدانَ الجمعي للاجتماعين العربي والإسلامي، وأن يوهمَ هذين الاجتماعين بأنَّ الإيمان بهِ والاستثمار فيه، إنما هو فعلٌ مردودهُ جزيلُ الفوائد وعظيمُ العَوَائد. لم يدم الحالُ هذا طويلا، ذلك أن «النظام الحرسي»، وبسبب معادلاته العقلية وطرائق تصرفه، أثبتَ لهذين الاجتماعين عدمَ أهليته، فتداعى الإجماعُ حولهُ وانفرط عقده.
لم تنتهِ المسألة عندَ الذي تقدّم – ويا ليتها – بل تعدّت ذلك إلى تفرُّغ النظام الإيراني تفرغا كاملا لأهداف كثيرة أخرى، أدت فيما أدت إليه، إلى استدراج أزماتٍ مُفتعلة خطيرة وكبرى، منها تلك المتعلقة بالولاء الوطني والانقلاب على نظام الحكم (مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية)، والأخرى المتعلقة باحتلال الأرض (الإمارات العربية المتحدة)، والثالثة المتعلقة بانتهاك سيادة الدولة الوطنية ودعم ميليشيات مسلحة (لبنان، العراق، فلسطين، اليمن، مصر) ومشاركة السلطات الحاكمة حكمها (لبنان، سوريا، العراق)، ناهيك عن تغلغل نفوذ الأجهزة الإيرانية الاستخباراتية في جالياتٍ مسلمة كبيرة حول العالم (شرارة، وضّاح، 2013). إذن، هذه الأعمال هي أعمالٌ تهدف إلى تصديع مؤسسات الحكم في دولٍ أخرى وتشطيرها، وإلى تأليب الاجتماعات الوطنية بعضها على البعض الآخر وتقسيمها وإعمال الفرقة فيها، وإلى تحريض بعض هذه الاجتماعات على الخروجِ على أنظمتها السياسية وأجهزة الحكم فيها، وتشجيع مواطنين على محاجزة مواطنين آخرين، والمشاركة في تدمير بلاد أخرى وقتل ناسها وتمكين طاغوتها وميليشياتها، هي فعلُ تهديدٍ واضح وإظهارٌ صريحٌ للنوايا العدوانية التي يحملها النظام الإيراني ويجاهر بها ضدَّ دولٍ جارة لا تفصله عنها مسافة جغرافية بعيدة.
إذن، وفي ضوء الذي تقدم، هل ثمة حاجة – فرصة لنشوء تحالف عربي – توازن تهديد لمواجهة المشروع الإيراني هذا؟ طبعا، لعلنا أردنا من هذا السرد القليل الذي تقدم، لأفعال النظام الإيراني ونياته العدوانية على جيرانه، أقربين كانوا أم أبعدين، إلى بناء صورة متكاملة نسبيا، تقودنا نحوَ القول بوجوب تشكيل تحالف عربي – توازن تهديد جدّي يقفُ سدّا منيعا في وجه النظام الإيراني ومشروعه، ونحو القول بوجود فرصة حقيقة لنشوء هذا التحالف والتوازن، فرصة، يُثبت من خلالها هذا التحالف قدرته على إظهار احتجاج عملي ورادع على انتهاكات النظام الإيراني، وفرصة تمحو الفشل في اقتناص فرصٍ سابقة كثيرة، وتمحو أيضا سنين طويلة من الفشلِ بالردِّ عليه بمشروعِ مواجهة ناجح.