تمر علينا الذكرى السنوية لانتفاضة نيسان وتستوجب علينا الوقوف عندها كأهم تجربة شاملة في تأريخ شعبنا النضالي، كما تستوجب علينا دراستها في ضوء الماضي والحاضر الذي نعشيه بحيث نتمكن من كشف “الاستمرارية التأريخية” ومعرفة التطورات والتغيرات الجديدة التي حدثت على الساحة الاحوازية من لاعبين وافكار والاهم من كل شي الأساليب.
في دراستنا لظاهرة انتفاضة نيسان يجب علينا الاخذ بعين الاعتبار التفاصيل الكثيرة التي كتب عنها الاحوازيين في الاشهر الاخيرة وكشفوا تفاصيل سياسات عديدة ممن لها دور اساسي في خلق حالة اجتماعية خاصة تفجرت برسالة المدعو محمد علي ابطحي للتطهير العرقي. في هذا المجال وصف الشهيد محمد نواصري الظروف التي اوصلت الشعب العربي الاحوازي الى إشعال فتيل الانتفاضة والفوران، وصفها بتراكمات سياسة ممنهجة عنصرية وعنونها بالتأريخية والبنيوية.
من اجل هذا يجب القاء نظرة سريعة على ماجرى في العقود التي حكم الفرس بها على الاحواز منذ 1925 حتى عام 2005، فحسب البحوث التي اعددناها في التيار الوطني العربي الديمقراطي في الاحواز نرى تطورات الأمور كالتالي:
سياسات ايران في العقود السابقة:
لقد تركزت سياسات الدولة الايرانية مابين فترة 1925 الى 1950على تطوير المنشئات النفطية ومن خلالها تم جلب 364 الف غيرعربي الى اقليم الاحواز وعلى وجه الخصوص الى مدينة عبادان.
بعد الحرب العالمية الاولى وبداية التخطيطات الجديدة للدولة الايرانية تم التخطيط لبرامج تعرف بـ” برامج التنمية الوطنية”، خلال برنامجين سباعية الاعوام واربعة برامج خماسية الأعوام تم تنفيذها في فترة ما بين 1950 حتى 1979، بحيث البرنامج التنموي السادس لم يكتمل على إثر حدوث ثورة عام 1979.
خلال البرنامجان الاولى للتنمية تم خلق مشاريع زراعية كمشروع قصب السكر في السبعة(هفت تبه) وبناء سد الدز في شمال اقليم الاحواز وخلال البرامج التنموية التالية تم تدشين مشاريع البتروكيمياويات في مدن معشور وعبادان وميناء خور موسى. كما تم تأسيس مشاريع تجارية و مرافئ في مدن الاحواز الجنوبية كالمحمرة وميناء خور موسى وتم تطوير القطب الصناعي والاداري في الاحواز العاصمة ودشنت العشرات من مصانع الحديد والصلب والاسمنت وغيرها.
تمكنت ايران الشاه بتدشين اقطاب نفطية وصناعية وزراعية وتجارية واسعة والى حد ما مشاريع زراعية وحسب الاحصائيات الرسمية تمكنت حتى عام 1976 من توطين مايقارب 511 الف غيرعربي الى اقليم الاحواز، بحيث اصبح ربع سكان الاقليم هم من غيرالعرب.
سياسة سلب ارض العرب من قبل الدولة الايرانية في عهد الشاه ماعدا بعض الاستثناءات، اختصرت على شمال الاحواز في المنطقة الواقعة مابين مدينة السوس حتى مدينة تستر، فقد تم تأسيس اولى المشاريع الزراعية العملاقة في هذه المنطقة.
سياسة بناء السدود على الانهر التى تنبع من سلسلة جبال زاجروس التي تقع غرب ايران وتصب في العراق وفي الاحواز، وإن بدأت في عهد الشاه لكن لم يتمكن النظام الايراني من انجاز عدد كبير منها وبقى عدد السدود التي بنتها ايران على هذه الانهر محدود بحيث حتى عام 1979 بنت الدولة الايرانية سدين فقط على نهر كارون و لم تبنى اي سد اخر على باقي الانهر.
وكما اسلفنا نظام الشاه قد انجز مشروع دراسي لبناء 13 سد على انهر الاحواز وعدة سدود على انهر كوردستان لكن لم يتمكن من انجازها، الامر الذي سارعت الجمهورية الاسلامية باستئنافه وهي في خضم الحرب مع العراق بحيث تم بناء العديد من السدود بعد عام 1984. هذا الامر يظهر بوضوح استمرار السياسة القومية من ايران الشاه الى ايران الخميني.
عملية الاستلاب الثقافي:
تم استخدام مدينة عبادان كـ”عاصمة الثقافة الفارسية” في اقليم الاحواز، وبعد مدينة طهران تاسس اكبر عدد من دور السينما في عبادان بحيث وصل عددها الى 28 سينما. ومنذ بداية الخمسينات من القرن العشرين بدأت ثلاث قنوات تلفزيونية واذاعات تروج للثقافة واللغة الفارسيتين. كما استخدم القوميين الفرس هذه الامكانيات للترويج لهوية مزيفة ولتفريس عرب الاحواز.
انشاء المدارس باللغة الفارسية وتقنين اجبارية التعليم على المستوى الابتدائي كان يعد من اهم الخطوات الثقافية لنشر اللغة الفارسية وفي هذا السياق تأخر العرب لايقل عن عقدين عن الايرانين في التحاقهم بركب العلم والمدرسة مما تسببت في تسهيل عملية وفود الاف المهاجرين الجدد بحجة عدم وجود المتعلمين من بين العرب.
في العقود الاولى من الاحتلال وفي المدن العربية تم انشاء مدارس فقط في المجال الانساني وليس في مجال الطبيعي او الحساب والرياضيات. هذا الامر تم من اجل اجبار العرب على التأثر باللغة الفارسية و صد طريقهم نحو وصولهم الى دراسات علمية تؤهلم لمنافسة الوافدين من غيرالعرب.
كما انصب اهتمام النظام الايراني الحديث في العقود الاولى من الاحتلال على انشاء الطرق بين الاقاليم غيرالفارسية اتصالها بالاقاليم المركزية الايرانية من اجل اخرجها عن عزلتها و فتح المجال للسيطرة الاقتصادية عليها من قبل تجار الفرس.
بيئية الاحواز في عهد الشاه:
لم يتم بناء عددا كبيرا من السدود في هذه الفترة. فقبل ثورة عام 1979 قد تم بناء 13 سدأ في كل انحاء ايران. بيانات كمية المياه المتدفقة في نهر كارون تظهر بان في تلك الفترة كان معدل كمية المياه المتدفقة على اعلى مقايسه في حدود 500 متر مكعب في الثانية، كما ان نسبة تلوث مياه كارون لم تتجاور ال 800 ميكروموس باليتر(TDS). كما ان اهم عناصر البيئة الاحوازية هما هور الحويزه وهور الفلاحية وانهر الكرخة والجراحي كنا يتمتعان بجودة ولم يلحظ بهما تأزم او تغيير كبير. مساحة هور الحويزة في نهاية السبعينات من القرن الماضي قد وصلت الى 3500 كيلومتر مربع. عدد الايام التي يكون فيها الجو في الاحواز ملوث بالرمال الصحراوية لم يتجاوز الاربعين يوم بالسنة.
بعد حدوث الثورة الايرانية التي عرفت فيما بعد بالثورة الاسلامية، شرعت الدولة الايرانية ببناء العديد من السدود بعد ما خاضت حرب شاملة مع جارتها العراق التي قد رفعت شعار تحرير الاحواز في بداية الحرب. ربما هزائم الجيش الايراني على يد الجيش العراقي في هور الحويزة و ايقاف تقدم الجيش العراقي نحو مدينة الاحواز عبر ضخ مياه نهر الكرخة في الوادي الذي يفصل الحميدية عن الخفاجية، يظهر نماذج من الدور الامني والعسكري لمياه الانهر في توازن القوى مع العراق.
بناء على اهمية المياه الاسترتيجية في الحرب وفي السلم من اجل السيطرة والهيمنة على الاخر سارعت ايران ببناء العديد من السدود بعد عام 1984. نهاية الحرب الايرانية – العراقية كانت بداية استئناف مشروع انشاء مشاريع قصب السكر العملاقة بحيث تم سلب عشرات الالاف من اراضي المزارعين العرب وتأسست هذه المشاريع الامنية التي تتناقض والبيئة في الاحواز.
كما جاء تدشين مشاريع قصب السكر من قبل الدولة الايرانية كان ضرورة نابعة من تدمير المدن الحدودية التي تم تدمير مشروع تغيير التركيبة السكانية لاقليم الاحواز في الحرب بتدمير هذه المدن، منها مدينة عبادان والمحمرة.
وفي فترة مابعد الحرب يظهر هنالك تغيير حصل في التوجه الايراني لسياسية تغيير التركيبة السكانية في الاحواز، هذا التغيير تمثل في التركيز على الهجرة عبر المشاريع الزراعية بدل التركيز على المشاريع النفطية والصناعية والتجارية او الادراية. الاحصائيات تظهر بان نسبة بقاء العمال الوافدين الى الاحواز للعمل في الشريكات والمصانع لن يفوق بضعة سنوات، ونسبة كبيرة من المهاجرين تعود الى موطنها نتيجة الظروف الجوية السيئة والمشاكل الامنية في الاحواز. طبعا هذا لايعني بان ايرانية لم تستخدم المشاريع غيرالزراعية لجلب الوافدين، بل نقصد ان ايران وضعت الاولوية للمشاريع الزراعية للاستثمار بها من اجل تأمين امنها القومي في الاحواز. كما ان المشاريع الزراعية التي تبنى على الاراضي المغتصبة من الفلاحين العرب تلعب دورا هام في قطع اتصال العرب بالارض من اجل ترحيلهم في مخططات اخرى، هذا لايمكن ان تقوم به اي من المشاريع الصناعية والنفطية والبتروكيمياوية الاخرى.
على هذا الاساس قد امر خامنئي بانشاء مشروع زراعي بوسعة 800 الف هكتار، و كشف محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام عن الجهة التي سوف يتم تخصيص اراضي الاحواز لها و هم اللور الوافدين من محافظات جهارمحال بختياري ولورستان و بوير احمد.
اذن قد انتقلنا من مرحلة احتلال يمارس الاساليب الناعمة الى مرحلة يمارس فيها الاحتلال اساليب صلبة ومادية للبطش بالبيئة والانسان. اذن هنالك نقلة من الهجوم الثقافي الفارسي الى الهجوم على الوجود المادي العربي في الاحواز.
لم تمر 15 عاما على انشاء السدود العديدة ابان الحرب وبعده وانشاء مشاريع قصب حتى ظهرت الازمة البيئية في الاحواز، بحيث جعلت الاحواز اكثر مدينة تلوثا بالعالم. نتيجة انشاء السدود والمشاريع الزراعية العملاقة، تلوثت المياه وجفت الانهر والاهوار وظهرت العواصف الرملية بشدة وازدادت نسبة الامراض السرطانية والقلبية بحيث يموت سنويا حوالي 4 الاف احوازي نتيجة التلوث البيئي.
العناصر الهامة للمرحلة الاولى (زمن الشاه) هي في الدرجة الاولى الثقافة واللغة والهوية وبدرجة اضعف بكثير، الارض ثانيا. اما العناصر الهامة في المرحلة الثانية هي الماء والارض اولا، وبدرجة اضعف بكثير الثقافة والهوية ثانيا .
اهم عناصر الغزو الاحتلالي الايراني في المرحلة الاولى هي المدرسة و الاعلام والفضاء الثقافي ككل والتعتيم الاعلامي. اهم عناصر الغزو الاحتلالي الايراني في المرحلة الثانية هي السدود والانفاق لحرف ماء السدود والاهوار وتجفيفها و القوة والبطش لسلب الاراضي. في المرحلة الثانية وفي المجال الثقافي لايمكن للنظام الايراني ان يفعل شيئا اكثر مما عليه الوضع الان في الاحواز. فالثقافة الفارسية منتشرة الى ابعد الحدود وتصل بيت كل عربي احوازي اينما كان قاطنا. مايعول عليه النظام الايراني في هذه المرحلة هو استخدام الطائفية لكسب ود شريحة من الاحوازيين.