ينتسب لحن العلوانية الى مبدعه ومؤديه الفنان الاحوازي علوان الشويع ويشكل هذا اللحن وما يصاحبه من غناء احد الركائز الاساسية للثقافة الشعبية الاحوازية، وقد تجاوز هذا اللحن حدود بيئته لينتقل الى كل من العراق، الكويت والبحرين، حيث كان للفنان الكويتي المعروف الراحل عبد الله فضاله دورا مهما في هذا الانتقال، ولا يزال المطربون والملحنون في هذه البلدان يتغنون بهذا اللحن ويعتبرونه لونا خاصا يعرف باسم منشده علوان الاحوازي .(1)
وفي مقابلة صحفية اجريت مع احد معاصريه وهو الشيخ عبدالواحد كريم الباوي المولود في قرية الدامغة سنة 1944 وهو ايضا من العازفين والفنانين الذين بذلوا قصارى جهودهم ومنذ نعومة اظافرهم من اجل الارتقاء بهذا الفن في رده على سؤال متى التقى بالفنان علوان، قال: لا اتذكرالتاريخ بالضبط ولكن ذلك يعود الى ايام شبابي عندما كان يفد الى بيتي عشاق هذا النوع من الفن وكان من بينهم الفنان علوان الشويع وكان رحمه الله عليه بالاضافة الى كونه مطربا وعازفا كان شاعرا شعبيا ايضا، كما كان يمتاز بحسن الخلق والعزة والكرامة، فهوخلافا لاقرانه من المطربين انذاك الذين كانوا يتقاضون المال ازاء الحفلات التي يقيمونها، الا ان علوان كان يتعفف عن اخذ الاجور واتذكر في احد الايام عندما كنت ضيفا عليه حاولت ان اتكرم عليه بمبلغ من المال، الا انه امتنع عن اخذه وقال لي كيف تقبل ان استلم منك النقود وانت ضيفاعلي، لذلك كنت كلما اقوم بزيارته في بيته اهديه كمية من حبوب القهوة وكان يتقبلها ويقدم لي شكره ثم يبتسم ويقول هذا هو الاسلوب الصحيح ، ومن مميزاته الاخرى ايضا معرفته الفائقة بالشعر، لذلك كان يلحن الشعر ويغنيه وفقا لطبيعته فيما اذا كان حماسيا ملحميا او حزينا اوغراميا .(2)
اشادة المطربين الشعبيين العراقيين:
ويقول الشيخ عبد الواحد ايضا، اتذكرعندما قدم الى المنطقة قبل قيام الثورة المطرب الشعبي العراقي المعروف سلمان المنكوب قدمنا له احد اشرطة المرحوم علوان الشويع، فما ان سمعه حتى قام وجلس ، ثم انحنى تقديرا واحتراما لهذا الفنان، ثم قال: اقسم بالله ان هذا غناءا واقعيا ، ومثل هذه المواقف لا تنحصر بسلمان المنكوب وحده وانما هناك مطربون عراقيون شعبيون من امثال عبد الصاحب شراد و جواد وادي وداخل حسن وشهيد كريم ممن قدموا الى الاحواز قبل الثورة قد مجدوا هذا المطرب واشادوا بما قدمه من عطاء فني . (3)
الاستاذ منصور قاسم ال كثير يحذر :
وفي مقابلة أجرتها وكالة الطلاب الجامعيين الإيرانيين “ايسنا” للأخبار مع الباحث الاحوازي في مجال الأنثروبولوجيا الأستاذ قاسم أل كثير قال فيها: أن هناك خطر جدي يتهدد الموسيقى العلوانية والتي هي موطنها ايران وتحديدا مقاطعتنا على حد تعبيره ، وفي هذه المقابلة قال السيد آل كثير أن موسيقى كل إقليم من الأقاليم الإيرانية تشكل جزءا هاما من ثقافة ذلك الإقليم، وان موسيقى العلوانية تعتبر من الموسيقى العربية وهي احدى الألحان الغنائية المعروفة والأكثر شعبية في جنوب غرب البلاد وقد تجاوزت سمعتها الحدود، ألا أنها اليوم أصبحت تواجه الخطر وذلك نتيجة التجاهل والإهمال من جانب المسؤولين القائمين على تسجيل التراث الثقافي المحلي من جهة والتهديد من قبل دول الجوار التي تحاول توثيق هذا النوع من الغناء باسمها جهة أخرى.
مؤتمر شاهرود يتجاهل:
وأضاف هذا الباحث قائلا: في العام الماضي انعقد في مدينة شاهرود المؤتمر السابع العام لتسجيل الثقافة الوطنية، وقد قدم لهذا المؤتمر 290 ملفا من قبل الأقاليم تتضمنان الميراث الروحي الثقافي لتلك الأقاليم، ألا انه لم يرد فيها أي ذكر لا للحن ولا لأسلوب غناء العلوانية ، لذلك نأمل من المسؤولين العاملين في هذا المجال توثيق هذا النمط الموسيقى لكي لا يكون مصيره كمصير موسيقى ” العاشقين ” و ” التار ” التي سجلت بأسماء دول أخرى وهي في الحقيقة موسيقى إيرانية.
ويضيف آل كثير قائلا: في الآونة الأخيرة نشر الباحث العراقي المعروف في مجال الموسيقى الشعبية والريفية الأستاذ يحيى الجابري بحثا في جريدة الحياة الصادرة عام 2011 نسب من خلاله لحن الموسيقى العلوانية إلى سكان البادية العراقية والسورية ، في حين أن الفنانين والملحنين في هذه البلدان يعرفون معرفة كاملة أن هذا اللحن ، أي العلوانية ينسب لمبدعه المرحوم “علوان الشويع “وهو احوازي عاش ومات في هذه المنطقة.
و أثناء المقابلة حمل السيد آل كثير مسؤولية ذلك على عاتق المسؤولين القائمين على دائرة الشؤون الثقافة في إقليم الاحواز وقال: حتى المسؤولين عن الثقافة في الاحواز ،حيث يعتبر علوان من أهل تلك البلاد ، تجاهلوا كليا هذا المطرب، ولربما مرد هذا التجاهل يعود إلى عدم معرفتهم بفنون العامة من الناس وكذلك ضعف علاقاتهم مع الشرائح الداخلية للمجتمع ، وقد وصل الأمر بهم إلى تجاهل اسم هذا الفنان، بحيث لم نجد له أي ذكر في أي مؤتمر ثقافي.
ويضيف هذا الباحث ، أن الملحن و الباحث الموسيقى السيد محمد رضا درويشي مؤلف موسوعة الألحان الإيرانية كتب حول العلوانية قائلا: أن لحن العلوانية يؤكد على الترابط والصلة بين ثقافات البلاد على اختلاف أنواعها ،ويرى أيضا، أن علوان من بين افضل المطربين الذين عزفوا وانشدوا على الرباب.
في الختام أضاف آل كثير قائلا: أننا نتطلع وعبر تسجيل التراث الروحي لثقافات البلاد أن نرتقي بالنظرة تجاه الغير وإخراجها من الضبابية لتكون اكثر شفافية وهي بمثابة تمرين لنظرة مبنية على قواعد الثقة والثقة المتبادلة فيما بيننا ، وثمة ميزة أخرى لمزيا تسجيل التراث الروحي هي ” أن تحل الرؤية” المشتركة ” بدلا من “الرؤية عن بعد” وأن تحل أيضا معرفة الآخر بدل الخوف منه.
عرض وترجمة: جابر احمد
هوامش:
1. لمزيد من الاطلاع راجع بالفارسية، “علوانية تار و پود اين ديار” للباحث الاحوازي قاسم منصور آل كثير .
2. “گفتگو با شيخ كريم باوي، استاد ربابه نواز”، مدونة شيبان الثقافية.
3. نفس المصدر السابق.
4. “زنگ خطری برای یک موسیقی”مقابلة وكالة ” ايسنا مع الباحث الأستاذ قاسم منصور آل كثير.
تنويه: تم تصحيح الاسماء غير الصحیحة لإقليم الأحواز في المقال.