الوطن عبارة عن مساحة الأرض أو المنطقة التي يرتبط بها الشعب ارتباطاً تاريخياً وكذلك المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب. ليست هذه المنطقة الجغرافية بالضرورة مكان ولادة الشخص، بل هي المنطقة الجغرافية التي ولدت فيها أمته. فأما الوطنية مصطلح يستخدم للدلالة على المواقف الإيجابية والمؤيدة للوطن من قبل أفراد كانت أم جماعات.
وكذلك الرغبة في الحفاظ على مكونات الوطن كالأرض والشعب والدولة والهوية أي الطابع الذي يميز هذا الوطن من غيره. تعتمد الوطنية في زمن السلم على أفعال رمزية كـ التحية لرفع العلم والمساهمة في النشاطات الاجتماعية وما شابه إلى ذلك. وأما في زمن الحرب أو الصراع خاصة إن كانت هذه الحرب أم الصراع ضد المحتل، تكمن رمزية الوطنية في رفع الروح المعنوية في أبناء الوطن الواحد والمساهمة الفاعلة في الدفاع عن الوطن. في الزمن الذي نحن الأحوازيين نعيش حالة صراع لا بل حرب ومعرضين لإبادة جماعية تجتاح جميع أركان وأواصر الشعب العربي الأحوازي، ياترى أين نقع نحن من تعريف “الوطنية”؟. رغم ما يتميّز به مفهوم الوطنية من بعد معنوي أو نفسي ما وراء نظري، وهو بعد معقد للعلاقة بين الذات والآخر، فإنه يمكن مقاربة هذا المفهوم نظرياً عبر السعي إلى تلمّس خيوطه الموضوعية التي تمنحه مشروعيته كمفهوم وتلمّس السياق الذي ترعرع فيه.
إن هذا البعد المعنوي الذي يشترك فيه مفهوم الوطنية مع كل المعتقدات التي تقوم بوظيفة خلق الانتماءات ورعايتها، يعتقل اليوم قدراً غير قليل من الطاقات الأحوازية في زنزانات عقولهم. فكما تحتكر الدولة الفارسية جميع أشكال العنف ضد المواطن الأحوازي يحتكر العديد من الأحوازيين التبجح بالنشاط المستقل ضد الاحتلال الإيراني أو التحزب تحت عناوين ليس لها حقيقة على أرض الواقع، بينما يقتصر نشاط هؤلاء في الدردشة عبر المسنجرات ومواقع التواصل الاجتماعي والنميمة بحق هذا وذاك.
الأمر الذي يجعل العلاقة مع الخارج “الآخر” وتجسّد “ذات” الفرد في وجه هذا الآخر في الوعي العام، أمراً لا معنى له ويتعارض تماماً ومفهوم الوطنية الذي ذكرناه للتوّ. المفهوم القديم للوطنية قائم على التحرير السياسي “نضال ضد قوات احتلال”، والمفهوم الحديث قائم على التحرير الاقتصادي “نضال ضد يد السوق الخفية. لكن سياق العولمة الرأسمالية يعيد اليوم إحياء المفهوم القديم أي النضال ضد الاحتلال كما نشهد في العراق والمثل الأكثر تقرباً من حالتنا نضال الشعب الكردي في مقاطعة كوردستان التي تقع تحت السيطرة الإيرانية.
والمستخلص من المفهومين أي التحرر السياسي والتحرر الاقتصادي ما هو إلا استعادة السيطرة على تاريخ البلد. بسؤال بسيط موجه لكل المستقلين والمتحزبين الأحوازيين الذين ليس لهم أي صلة بما يحدث على أرض الوطن؛ هل تتذكرون أياماً كنتم تتحدثون بكل صغيرة وكبيرة عن الوطن المحتل وعن الشعب الأعزل وعن نشاطاتكم في الداخل ضد قوات الاحتلال أمام موظفين المفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو أمام موظفين دوائر الهجرة في البلدان الذي استقبلتكم كلاجئين سياسيين؟ أين أنتم الآن؟ لماذا تسجنون أنفسكم في دوائر مظلمة وتبتعدون عن النشاط السياسي بغية التخلص من الاحتلال واستعادة السيطرة على تاريخ البلد؟ الحقيقة أشك حيث إن هكذا أفعال لم تصدر من مواطن يدعي أن بلده تحت الاحتلال لا بل تصدر من مستوطن يبحث عن طيلة عمر الاحتلال بغية نهب كل ثروات البلد المحتل والتوسع الجغرافي والسياسي على حساب المحتل.
يشهد العالم اليوم وبفعل آليات التوسع العلاقات الاجتماعية اللامحدودة وذلك عبر شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية وغيرها من منتجات التكنولوجيا الحديثة التي تحكم تجدّد علاقات الأمم والدول والمؤسسات الدولية، نزوعين متعارضين هما: النزوع نحو تآکل واضمحلال سيادة الدول وتكريس قوانين عالمية لها الغلبة على القوانين الداخلية أي قوانين فوق الدول ولها مؤسساتها العالمية. والنزوع المقابل إلى تكريس الحدود السياسية وحتى الإمعان في التجزيء السياسي في المناطق الواقعة خارج مراكز الرأسمال العالمي. فنحن نشهد حركة تعولم “توحيد” وحركة تجزؤ “تفتيت” في الوقت نفسه. تقع القضية الأحوازية في هذا التعريف في الوسط ولكن يتضح لنا أن اتجاه الانحدار نحو الحالة الأولى أي “تآکل الدولة الفارسية” فما علينا الآن ما هو إلا أن نكون قدر المسؤولية في هذه البرهة الحساسة حيث الأوضاع بمنطقتنا في حالة لا يستطيع أحد التنبؤ بها ومن جهة أخرى، أنتم مواطنون وليس مستوطنين فما عليكم إلا أن تلتحقوا بركاب ما تتواجد من مؤسسات وطنية بغية إصلاح ما هو متواجد ودعمه بالتحرك الى الأمام وما علينا إلا أن نزيل كل الشوائب التي تعيق الحراك الوطني.