تخوض إيران ومنذ منتصف تموز الماضي حرباً دموية في شمال غرب البلاد ضد مقاتلي حزب حياة كردستان الحرة (بيجاك)، وتتلقى بين الحين والآخر ضربات موجعة على يد مقاتلي هذا الحزب، كما اندلعت انتفاضة شعبية في إقليم ازربايجان على إثر الدعوة التي وجهها مواطنون ونشطاء الدفاع عن البيئة إلى مسيرات جرت وما زال في محافظات ازربايجان الغربية، وازربايجان الشرقية، واردبيل، وزنجان، حيث موطن الأتراك من القومية الازرية في شمال غرب إيران، للدفاع عن بحيرة اورمية والحيلولة دون تعرضها للجفاف التام. ردد المتظاهرون شعارات مدنية منها ”سنملأ البحيرة بدموع أعيننا” و”كل من يريد تجفيف هذه البحيرة فليس وطنياً” وشعارات أخرى تدعو المسؤولين بالتوجه لشؤون البيئة والآثار التاريخية للقومية التركية في إيران.
إلا وأنه منذ أكثر من أسبوعين يجتمع الأتراك في المدن والقرى بين الحين والآخر، وأصبحوا يرددون شعارات متباينة منها مناوئة للفرس والدعوة إلى انتزاع الحقوق القومية من الدولة الفارسية على حد تعبير المتظاهرين، كما طالب البعض الآخر بالانفصال التام عن إيران وتأسيس دولة جديدة في المنطقة تدعى ازربايجان الجنوبية وعاصمتها تبريز. بين كر الأمن وفر المحتجين اعتقل العديد من المتظاهرين الأتراك على يد جنود القوات الأمنية التي جعلت من مدينتي تبريز واورمية ثكنات عسكرية حسب نشطاء أتراك. رافقت هذه المظاهرات إطلاق الشعارات الانفصالية في شتى مدن غرب إيران مناورة عسكرية لسلاح الجو الإيراني الذي انتهت تلك المناورة بسقوط طائرة حربية إيرانية بقرب المطار العسكري بمدنية تبريز مركز إقليم ازربايجان شمال غرب البلاد.
في حين نرى أن إقليم الاهواز يتبدل إلى ثكنة عسكرية منذ سنوات، وتتوعد المعارضة العربية في هذا الإقليم برد قاس حين سنحت الفرصة المناسبة، اعتباراً أنه رداً لابد منه على ما جاءت من سياسيات إيرانية القمعية ونهب الثروات الطبيعية من الأهواز وتوظيفها في الأقاليم الفارسية والإعدامات بالجملة في حق الشباب العربي الاهوازي والحرمان والتنكيل في حق العرب هناك.
حينها أعلنت مؤسسات وتنظيمات مختلفة تضامنها مع المحتجين في أذربيجان ودعت إلى السماح لهؤلاء بمواصلة احتجاجاتهم وإيقاف المشاريع التي أدت إلى تجفيف البحيرة. في هذا السياق ذكر (مركز مناهضة العنصرية ومعاداة العرب في إيران) في بيان نشر بشكل واسع على شبكة الانترنت أنه يرى ”الأيادي الظاهرة والخفية للسلطة الإيرانية في قضية تجفيف بحيرة اورمية.” وجاء في بيان هذا المركز (الذي تأسس في سنة 2010 على يد نشطاء أهوازيين في أروبا) ”السياسات التمييزية التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إقليمي أزربيجان وعربستان وباقي المناطق التي تقطنها الشعوب غير الفارسية لم تقتصر على الشؤون الثقافية والاجتماعية والسياسية فحسب بل أخذت تشمل حتى البيئة أيضاً.”
وأضاف بيان المركز أن ”التخطيط في التعامل مع الشعوب غير الفارسية في إيران واحد، حيث يشيدون السدود في عربستان (الاهواز) لنقل مياه نهر كارون إلى المناطق الوسطى والجنوبية الشرقية من إيران ليتحول إقليم عربستان الذي يضم أعلى نسبة للمياه في البلاد إلى صحراء جرداء. ويأتي هذا لأن غالبية المواطنين في الإقليم هم من العرب وهذا ذنب لا يغفر لدى العنصريين المناهضين لهذا الشعب.”
كما دعا البيان جميع الشعوب في إيران من عرب وأكراد وبلوش وتركمان إلى الانضمام إلى حركة الشعب الأزربيجاني وانتهاز فرصة بدء العام الدراسي الجديد للمطالبة بحقهم القومي في التعليم بلغة الأم. بموازاة هذا الحراك عقدت عدة مؤتمرات في أوروبا والولايات المتحدة وبحضور نشطاء إيرانيين من شتى التيارات السياسية تبحث عن طرق الخلاص من نظام طهران. تتزامن جميع هذه الأنشطة تخلي العديد من شركات أروبية وشركات متعددة الجنسية أخرى من مشاريع تنقيب واستخراج النفط في جنوب غرب البلاد وتحديداً في إقليم الأهواز.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه في إقليم ازربايجان ليتخذ هذا الإقليم دوره التقليدي في إيران كما كان عليه في ثورة الدستور (1908-1906)، فللإقليم خصوصيات تاريخية وتقليدية بتكوين شاكلة الدولة الإيرانية. الثقل السكاني وامتداد الإقليم المنقسم حكومياً على أكثر من 5 محافظات وسيطرة القومية التركية على جزء كبير من اقتصاد السوق في إيران وخاص في طهران حيث يقدر أن الأتراك الأذربايجانيين يشكلون أكثر من 50٪ من سكان العاصمة طهران التي يبلغ عدد سكانها الـ 9 مليون نسمة. كما يشكل الأتراك أكبر شريحة من المتعلمين والمثقفين في إيران، ناهيك عن تواجد هؤلاء الملحوظ في الجيش الإيراني ومراكز صنع القرار (إلا أن مطالبات الشعب التركي في إيران اجتازت المناصب والمساهمة في صنع القرار وتحولت إلى مطالبات تصل إلى الراديكالية بعض الأحيان حيث ردد متظاهرون ترك بالانفصال عن إيران منذ سنة 2006).
بجوار الشعب التركي في إيران هناك تجد قوى سياسية وعسكرية تسود أرضها الروح الثورية وهم الأكراد، وعلى نفس النهج نرى أن الشعب البلوشي أيضاً تتغلب على طابع حركاته السياسية الروح الثورية حيث من إنتاجات هذا الشعب في عهد الشاه شخصية عسكرية سياسية يدعى (دادشاه) الذي أصبح رمزاً كبيراً لتنظيم جند الله وزعيمه الشاب عبدالمالك ريكي الذي أعدم منذ أكثر من سنة بعد اعتقاله إثر تواطؤ إيراني باكستاني أمريكي حسب بيان هذا التنظيم الذي نشر حينها على موقع الحركة السنية في بلوشستان في الانترنت. لا ننسى أن هناك الشعب التركماني الذي يعاني من اضطهاد قومي وطائفي ويتسنى الفرصة لتقديم مطالباته الذي تتمثل بالفدرالية حسب تنظيمات هذا الشعب في الخارج كما أن هناك نواة أخرى تدعو للانفصال عن إيران.
هذا الحراك لم يكتمل بعد إلا بالتحاق الأهواز بثورة إيران القادمة وللأهواز خصوصية فريدة من نوعها حيث استخدمها العرب الاهوازيين في أحداث تاريخية غيرت بمصير الدولة الإيرانية، في ثورة الدستور وتأميم النفط بقيادة الدكتور مصدق وثورة .1979 نرى اليوم أن السيناريو يعيد نفسه والإيرانيين في خارج البلاد يستعدون لخوض ثورة جديدة قد تختلف عما مضت من ثورات في إيران. معظم تنظيمات الشعوب غير الفارسية تطالب بالحل الفدرالي كما أن هناك تنظيمات أخرى تطالب بالاستقلال التام ودون شرط عن إيران.
التنظيمات فارسية الهوى كاليسار بشتى تنظيماته والليبراليين وغيرهم، متحفظين تجاه مطالبات الشعوب غير الفارسية ومنهم من يتنكر ويتجاهل مطالب الشعوب الأمر الذي قد يطور من المطالبات وسوف تسود الراديكالية المعركة القادمة لاشك. كما سبق نرى أن دعم أسرة خزعل (1925-1897) الحاكمة في المحمرة عاصمة عربستان آنذاك لثوريين ثورة الدستور غير الكثير في إيران وجاء بحكم يختلف عما مضى في البلاد تماماً.
للأهوازيين دور رئيس في مستقبل إيران حيث يمتلكون سلاح النفط ومن هنا نرى أن تأميم النفط في عهد مصدق حدث بوقفة عربية أهوازية. هكذا نرى ثورة 1979 التي رافقها العصيان المدني في الاهواز الذي شل بالعجلة الاقتصادية وخاص في قطاع النفط وأطاح بالنظام الملكي. من هنا أقول إن كارون (أي غضب الأهوازيين بسبب تجفيف نهر كارون والقمع المستمر في حق العرب منذ 86 عام) زايد غضب الأتراك لتجفيف بحيرة أورمية قد يلتقيان وتبدأ الثورة ويتم إيقاف تصدير 5,4 مليون برميل من النفط يوميا ويلتحق اقتصاد البازار بالثورة، ناهيك عن العناصر الأخرى الذي من المؤكد سوف تلتحق ونضيف لها الوضع الإقليمي والدولي، إذا تلاقت كل هذه العناصر سوف تنتهي حكومة طهران وتغرق في كارون وأورمية لا محال.