إنّ سياسة النظام الإيراني تجاه الشعوب في إيران بشكل عام والشعب العربي الأحوازي بشكل خاص بعد الاحتلال العسكري المباشر، كانت ولا تزال منهجية على مختلف الأصعدة، حيث استهدفت هذه السياسات العنصرية غير الانسانية البنى السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية. الهدف منها صهر هذا الشعب في بوتقة النظام الفارسي من خلال طمس هويته العربية المتمثلة باللغة والثقافة القومية وكذلك اقتلاعه من جذوره العربية ومن الارض التي عاش عليها وتجذر فيها آلاف السنين حيث كانت على الدوام ممنهجة من قبل صانع القرار السياسي في طهران.
بدأت تلك السياسة مع الاحتلال على يد رضا شاه البهلوي ووضِعت اللبنة الأولى لتلك السياسة المنهجية من خلال إقطاع الأراضي العربية للعسكريين الفرس ورجال الدولة من السياسيين والإداريين والأمنيين وكذلك سحب ملكية بقية الأراضي من المزارعين العرب واعطائها إلى مؤسسة المنابع الطبيعية بغية تسهيل مصادرة تلك الأراضي في خطوات مستقبلية مدروسة، وتهجير مئات الآلاف من المزارعين والمواطنين إلى المناطق المركزية في إيران والعراق والدول الخليجية.
واستمرت هذه السياسة على يد محمد رضا بهلوي الابن وأصبحت أكثر شراسة بسبب التوجه الفارسي العنصري وحقده ضد العرب والعروبة، من خلال سياسة الاصلاح الزراعي في الستينات من القرن الماضي وتحديدا سنة 1963م تحت عنوان الاصلاح الزراعي والثورة البيضاء، حيث تمت مصادرة مئات الآلاف من الأراضي الزراعية ومن ثم تمليكها للمستوطنين الفرس، وكانت أولى مشاريع قصب السكر قد دشنت في تلك الفترة على أنقاض عشرات القرى العربية بالأحواز.
وتوجت تلك السياسات الاجرامية بعد وصول رجال الدين إلى سدة الحكم، وتحديدا بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وكان لطبيعة التكوين الأيديولوجي لهذه الحكومة الدور البارز في شراسة واتساع دائرة هذه السياسة حيث يجتمع فيها التطرف الطائفي والحقد التاريخي وكذلك العنصرية الفارسية والعداء لكل ما هو عربي.
وتم تدوين الاستراتيجية لهذه السياسة تحت مسمى التوزيع الديمغرافي أو(آمايش سرزمين) بموجب التعميم الصادر من المجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة هاشمي رفسنجاني برقم 971\2ب-3416 وتاريخ 14\4\1371هـ.ش الموافق لسنة 1992 م وكذلك التعميم الصادر من مكتب محمد خاتمي بصفته أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي برقم 27686\12وتاريخ 1\5\1377 هـ ش الموافق 1998م.
نتائج بعض تلك السياسات العنصرية:
مصادرة أكثر من 70 ألف هكتار زراعي في منطقة الشعيبية والميناو والسوس ومناطق شمال الأحواز، لصالح شركات من أهمها شركة كشت وصنعت إيران-امريكا وكشت وصنعت إيران – كاليفورنيا وشركة دز كار وشركة شل وشركة كلاسنو وغيرها من الشركات الأمريكية والإسرائيلية في عهد حكومة الشاه.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية تمت مصادرة أكثر من 135 ألف هكتار من أراضي المزارعين الأحوازيين جنوب مدينة الأحواز وشمال مدينة المحمرة وعبّادان وعلى ضفتي نهر كارون وهن من أخصب الأراضي الزراعية، وجرى مصادرة كل هذه الأراضي بذريعة إقامة مشروع قصب السكر، حيث إنّ الشركات القائمة على هذا المشروع تعود ملكيتها إلى رجالات الدولة الإيرانية والمؤسسة المذهبية الصفوية الحاكمة في إيران.
مصادرة اراضي بمساحة 47 الف هكتار لغرض إقامة مشروع معاقي الحرب العراقية الإيرانية في منطقة الجفير، المحاذية للحدود العراقية الإيرانية.
مصادرة أكثر من 25 ألف هكتار لغرض إقامة مشروع مزارع الأسماك جنوب مدينة الأحواز وتمليكها للمستوطنين الفرس من الوافدين الجدد إلى الاقليم.
مصادرة أكثر من 100 الف هكتار شرق مدينة الحويزة تمتد حتى شمال مدينة المحمرة تحت ذريعة منطقة المناورات العسكرية لفرقة 92 المدرعة، ومن المعلوم ان كل تلك المنطقة هي من الأراضي الزراعية وفيها عدة قرى عربية يسكنها الالاف من العرب هجروا من أراضيهم.
مصادرة الاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في مدن الخفاجية والحويزة والبسيتين بحجة تطوير حقول ازادكان النفطية والتي تتصل بحقول مجنون النفطية بجنوب العراق وتشرف على هذا المشروع شركات يابانية.
مصادرة أكثر من 6 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية في مدينة الشوش وتمليكها للعسكريين الفرس من الحرس الثوري وقوات القدس والتي تسمى بمشروع استيطان رجال الدين في الشمال والشمال الشرقي لإقليم الأحواز وتم تسريب وثيقة ذلك المشروع وتسمى بوثيقة (سردار رشيد) وهومن كبار قادة الحرس الثوري وقوات القدس.
إضافة إلى تهديم أحياء عربية بأكملها وتهجير الآلاف من الأحوازيين كسياسة منهجية لغرض قلب التركيبة السكانية مثل تهديم حي سبيدار في مدينة الأحواز سنة 1998 م وتهجير أهالي هذا الحي ومعظمهم من الطبقة المسحوقة اقتصاديا.
بموازات سياسة مصادرة الأراضي هنالك سياسة لا تقل شراسة وعنصرية تجري على قدم وساق، وهي تحريف مجاري الأنهر الرئيسية في الأحواز مثل نهر كارون والكرخة والجراحي وأنهار أخرى، وسرقة المياه وضخها إلى المناطق المركزية الفارسية مثل اصفهان ويزد وكرمان لغرض الري في حين يتم حرمان المزارعين العرب من هذه المياه ومحاربتهم في قوتهم اليومي ولقمة العيش وكذلك افتعال السيول من خلال السدود التي تم انشائها لهذا الغرض بشكل دوري، بغية تهديم البنية التحتية للقرى الأحوازية، لغرض تسهيل عملية مصادرة الأراضي الزراعية وتهديم القرى والأرياف العربية في الأحواز.
كل هذا، الغرض منه تهجير المزارعين من قراهم والتدمير المنهجي لاقتصادهم القروي والحاقهم بالضواحي المهمشة والذي يسمى (بحزام الفقر العربي) ومن ثم محاصرة المدن العربية بالمستوطنات الفارسية والمدن التي أنشأت لهذا الغرض وهي بالعشرات، مثل مستوطنات (شيرين شهر) جنوب مدينة الأحواز، وسط القرى التي تم تهديمها لغرض مشروع قصب السكر ومزارع الأسماك وتتسع لأكثر من تسعين ألف نسمة كخطوة أولى قابلة للاتساع، وكذلك مدينة (رامين) العملاقة شمال مدينة الأحواز، حيث تتسع لأكثر من مليون مستوطن فارسي من الوافدين الجدد إلى الاقليم.
ويتم تهميش (حزام الفقر العربي) بشكل مدروس ومخطط، حيث يتفشى الفقر والإدمان والجريمة وكل الاختلالات البنيوية على صعيد البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعيش على هامش المجتمع كإفراز طبيعي لهذه السياسات اللاإنسانية.
من أهم مضاعفات تلك السياسة هي الكوارث البيئية وتلوث المياه وزيادة نسبة الملوحة في الأراضي وتلوث البيئة وتفشي الأمراض المعدية، حيث ورد ذكر كل هذه المضاعفات بالتقرير الذي رفعه (ميلان كوتاري) مبعوث الأمم المتحدة إلى الاقليم قبل أقل من سنتين، حيث وصف تلك السياسات بالكارثية بالنسبة للسكان الاصليين من عرب الأحواز.
تصاعد سياسة المصادرة والاستيطان:
أخذت هذه السياسات الاجرامية تتصاعد وتتسارع وتيرتها خلال الخمسة عشر عاما الماضية وبالأخص بعد تسلم طاقم التكنوقراط صاحب الميول والتوجهات الفارسية من جماعة كوادر البناء أثناء رئاسة هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وبعد تسلمهم ملف التنمية في إيران، حيث تمت مصادرة عشرات الآف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة في مختلف مدن الأحواز، ضمن الخطة المعروفة بالتوزيع الديمغرافي الاستيطاني.
كما بلغت ذروتها بعد تسلم أحمدي نجاد وطاقمه من جماعة الحجتية خاصة بعد اندلاع انتفاضة 15/ نيسان 2005 م وكعقاب جماعي للأحوازيين على شق عصى الطاعة ضد الاحتلال العسكري الإيراني. والدليل على ذلك هو البدء في مصادرة 30 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في مدن الأحواز والخفاجية والهنديان (التميمية)، حيث ورد ذكر هذه الخطة في التقييم الصادر من دائرة الثروة السمكية بالإقليم، خلال الثماني سنوات الاخيرة.
وتنص هذه الخطة على:
البدء في المرحلة الثانية من مشروع يبلغ 12400 هكتار تحت عنوان “آزادكان اهواز” حيث تم مصادرة 25 ألف هكتار في المرحلة الأولى من المشروع.
البدء في مشروع يشمل 10 آلاف هكتار في مدينة الخفاجية.
مشروع تربية الروبيان يشمل 8 آلاف هكتار، شرق وغرب نهر زهرة في مدينة الهنديان (التميمية).
إضافة إلى إنشاء موانئ في بحركان الهنديان ونهر القصير في عبادان وغيرها من الموانئ، والمعروف ان تلك الموانئ لا تخضع إلى سلطة ورقابة دائرة الموانئ ويتم استغلالها والاستفادة منها لغرض التهريب والالتفاف على القرارات الدولية ضد إيران في مجال حظر استيراد السلاح وغيره من قبل الحرس الثوري، حيث تكتسب تلك الموانئ أهميتها لأنها تقع بالقرب من العراق والدول الخليجية.
أهداف هذه السياسات:
إنّ وراء هذه السياسات المنهجية والبنيوية ضد الشعب العربي الأحوازي أهدافاً اقتصادية وأمنية وتاريخية وسياسية، وبنظرة متفحصة على الخارطة السياسية لإيران ودول الجوار العربي، سنلاحظ أن الأراضي التي تمت مصادرتها في الشمال الغربي والغرب والجنوب تقع بمحاذات الحدود العراقية ودول الخليج العربي، الغرض منها تسهيل عملية التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول بعيداً عن عيون الأحوازيين وخلق بيئة ومنطقة عسكرية لوجستية تؤمن الحماية وتؤمن الامداد الكافي للتدخل الإيراني المستمر في شؤون تلك الدول. وكذلك إفراغ هذه المناطق التي يقع فيها أكبر مخزون وحقول النفط والغاز، من الأحوازيين كخطوة أولى وتمليكها للمستوطنين الفرس والوافدين الجدد كخطوة مستقبلية من أجل قلب التركيبة السكانية بالإقليم لصالح الفرس والحكومة المركزية حيث دأبت كل الحكومات الإيرانية المتعاقبة على هذه السياسة منذ تكوين الدولة وبالأحرى الامبراطورية الإيرانية الحديثة على يد رضا خان.
من ضمن هذه الأهداف أيضا هو تقطيع أوصال الشعب العربي الأحوازي وعزله في تجمعات سكانية محاصرة، في مدنه وقراه ومناطقه المختلفة وكذلك حرمانه من عمقه الإستراتيجي المتمثل بالوطن العربي كالعراق والخليج العربي. وهذا ما يفسر اتساع دائرة سياسة مصادرة الأراضي والتهجير الجماعي والتي نصت عليها الوثيقة التي تم تسريبها من مكتب خاتمي والتي سببت مع تراكم التناقضات والظروف الموضوعية انتفاضة 15 نيسان، حيث سقط على أثرها مئات الشهداء والجرحى وتم اعتقال الآلاف وتنفيذ الإعدام بحق 12 شخصا لحد الآن والقائمة قابلة للازدياد. كما شملت هذه الخطة مناطق شمال الإقليم ووسطه وشرقه وجنوبه وهي الاخطر على الاطلاق والتي تم الكشف عنها بالوثيقة والتعميم تحت عنوان مشروع اروندان الصناعي والتجاري في مدن المحمرة وعبّادان والذي سيتم بموجبه تهجير مئات الآلاف من الأحوازيين العرب من مدنهم وقراهم التي تقع ضمن نطاق هذا المشروع الاستيطاني الكبير وسيتم تهديم عشرات القرى الأحوازية. ويضاف إلى ذلك تهجير أكثر من 300000 مواطن احوازي من مدن وأرياف المحمرة وعبّادان أثناء الحرب العراقية الإيرانية ولم يعودوا إلى قراهم التي هجروا منها بسبب تهديم البنية التحتية وغياب الخدمات، وكذلك انتشار حقول الالغام في تلك المناطق وهي من مخلفات الحرب، ولم تعمل الحكومة الإيرانية على تطهيرها لكي لا يعود العرب إلى قراهم من منفاهم بالمناطق الشمالية والمركزية في إيران.
في الختام لابد من التأكيد على أنّ كل هذه السياسات الإجرامية وهي بالطبع من مصاديق التهجير الجماعي والتطهير العرقي والجرائم الكبرى التي يعاقب عليها القانون الدولي، يتم تنفيذها أمام مرأى ومسمع الدول العربية والمجتمع الدولي حيث تتجاهل هذه الاطراف المأساة الأحوازية بدعوى أنها شان داخلي وهي ضمن مفهوم السيادة. لكن المتتبع الحصيف لمجريات الامور يلاحظ ان الأحواز لم تكن يوما ما إيرانية، بل هي ارض عربية محتلة بالقوة الغاشمة منذ 1925 م ولحد الان والدليل الابرز على ذلك هو الانتفاضات المتتالية لأبنائه العرب ضد الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في إيران، وهي عبارة عن منطقة متنازع عليها بين سلطة الاحتلال الإيراني والشعب العربي ومقاومته الوطنية وهذا ما اجمعت عليه فصائله الوطنية بمختلف توجهاتها ومشاربها الفكرية. ونشير هنا إلى ضرورة التدخل العربي والدولي بهذا الخصوص لكي يتم لجم هذا الغول الفارسي المتغطرس وانقاذ الشعب العربي الأحوازي من سياسة التطهير العرقي، والحد من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية كيف ومتى يشاء تحت ذريعة الطائفية الصفوية تارة والحفاظ على المصالح الحيوية والأمن القومي الفارسي تارة أخرى والهدف من وراء ذلك هو الهيمنة والتي هي جزء لا يتجزأ من طبيعة وعقلية الفرس وتركيبتهم السيكولوجية، رجال دين كانوا أو علمانيين.
_______
هذا النص هو جزء من مقال مطوّل للشهيد محمد شريف النواصري تحت عنوان “إيران وخفايا التوزيع الديموغرافي بالأحواز“، نعيد نشره لأهمية الموضوع ولتسليط الضوء على سياسة اغتصاب الأراضي والبيوت التي تنتهجها الدولة الإيرانية ضد الشعب العربي الأحوازي.
ما جاء في المقال يبين النظرة الثاقبة والرؤية الاستراتيجية التي كان يتمتع بها الشهيد محمد شريف النواصري، حيث أن آرائه وأفكاره لا تزال مفيدة على الرغم من مرور 17 عام على استشهاده.